أبن طــولون يستعيد هيبته

القاهرة - القناة -

Ø£ القاضي  3/9/2005 

يفتتح رئيس مجلس الوزراء الدكتور احمد نظيف جامع أحمد ابن طولون بعد ترميمه وتجديده بالكامل الاثنين المقبل يرافقه السيد وزير الثقافة فاروق حسني ومحافظ القاهرة عبد الرحيم شحاته والدكتور زاهي حواس الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار وايمن عبد المنعم مدير مشروع القاهرة التاريخية.

وقال فاروق حسنى - في تصريحات نقلتها وكالة أنباء الشرق الأوسط - إن افتتاح جامع احمد بن طولون يعد تتويجا للافتتاحات الثقافية السابقة بالقاهرة التاريخية والتي تضمنت 38 أثراً إسلاميا عريقا . . مشيرا إلى أن أعمال الترميم بالجامع استمرت 4 سنوات كاملة بتكلفة إجمالية 12 مليونا من الجنيهات.

ووصف الوزير الجامع بأنه مثال حي لعراقة وجمال العمارة الإسلامية لما يتميز به من جمال في الزخارف وطريقة البناء والعمارة المحسوبة بمنتهى الدقة والبراعة والحرفية .. مؤكدا حرص وزارة الثقافة على إعادة القاهرة التاريخية إلى رونقها ومكانتها العريقة كإحدى أهم المزارات الثقافية والإسلامية في العالم.

من جانبه قال أيمن عبد المنعم مدير مشروع القاهرة التاريخية أن العمل بجامع أحمد بن طولون استغرق وقتا طويلا وعملا شاقا للتغلب على مشكلات المياه الجوفية ، وحماية الأسقف الخرسانية التي تقع على مساحات واسعة من الجامع .. موضحا أن التحدي الكبير أمام المرممين كان للحفاظ على الزخارف البديعة رائعة الجمال التي يتميز بها الجامع.

وأشار إلى أن وزارة الثقافة ممثلة في المجلس الأعلى للآثار تهدف بالتعاون مع الجهات المعنية الأخرى ومحافظة القاهرة إلى إعادة إحياء وتطوير القاهرة الفاطمية تطويرا شاملا يشمل الآثار والمباني السكنية وباقي المرافق وتحويلها لمتحف مفتوح ومزارا سياحيا من طراز رفيع ‏خلال السنوات القادمة.

وقال أيمن عبد المنعم مدير مشروع القاهرة التاريخية أن وزارة الثقافة والمجلس الأعلى للآثار يقومان حاليا بتنفيذ الخطوات الفعلية لتنفيذ المرحلتين الثانية والثالثة من ترميم أكثر من ‏‏130 أثرا ومجموعة إسلامية أثرية كبيرة على أمل الانتهاء منها مجتمعة في خلال ‏ ‏السنوات الأربع القادمة لتصبح مجموعها بعد الانتهاء منها بالكامل حوالي 210 آثار لتضاف إلى المشروعات الأثرية والثقافية العملاقة في الكثير من أنحاء مصر.

يذكر أن وزارة الثقافة كان قد افتتحت مؤخرا خلال الأسابيع الماضية عددا من أهم الآثار الإسلامية من بينها مسجد محمود محرم، وسبيل خسرو باشا، وقاعة محب الدين، وقبة الصالح نجم الدين، وبوابة مدرسة الظاهر بيبرس ، ومسجد شرف الدين ، وجامع القاضي يحيى زين الدين، ومدرسة وسبيل وكتاب القاضي عبد ‏ ‏الباسط بمنطقة الجمالية، ومسجد ابن بردبك أم الغلام، ومدرسة الملك جوكندار، وسبيل وكتاب أمين أفندي هيزع، وسبيلي إسماعيل مغلوى والبازدار.

ويعد افتتاح جامع احمد بن طولون تتويجا وإحياء للعصر الذهبي لتطور العمارة الإسلامية في مصر ، حيث تنسب الدولة الطولونية إلى مؤسس هذه الدولة وهو أحمد بن طولون والذي كان والده أحد الأتراك الذين أرسلوا إلى الخليفة المأمون العباسي حيث نال إعجاب الخليفة الذي ظل يمنحه المناصب حتى وصل طولون إلى منصب أمير الستر وهو يشبه منصب رئيس الحرس الخاص وظل طولون يخدم الخلفاء العباسيين حتى عهد الخليفة المأمون ثم الخليفة المعتصم بالله في مدة بلغت عشرين عاما، وقد أنجب طولون عدة أبناء منهم ابنه أحمد الذي ولد سنة 220 هـ 835 م.

وعندما توفي طولون كان ابنه أحمد في العشرين من عمره فتولي المنصب الذي كان يشغله والده وارتقي في الوظائف وبدأت صلة أحمد بمصر حين أقطع الخليفة المعتز بالله بلاد مصر سنة 235 هـ لأحد القادة الأتراك من أصحاب النفوذ في بغداد وكان في ذلك الوقت اسمه “ باك باك “ .ونشأ أحمد بن طولون محبا للعلم مشغوفا به فحفظ القرآن ودرس الفقه والحديث وأظهر من النجابة والحكمة ما ميزه على أترابه، فلما تقلد باكباك إمارة مصر من قبل الخليفة العباسي أنابه عنه في ولايتها فقدم إليها سنة 254 هجرية = 868م وكان من حظه أن وهبت مصر إلى حميه الأمير ماجور بعد وفاة باكباك فأقره على ولايتها.

وكانت ولاية أحمد بن طولون على مصر أول الأمر قاصرة على الفسطاط أما أمر الخراج فكان موكولا إلى ابن المدير فما زال بحسن سياسته يوسع في نفوذه حتى شمل سلطانه مصر جميعها وتولى أمر الخراج وامتد نفوذه إلى الشام وبرقة وأسس الدولة الطولونية التي حكمت مصر من سنة 254 إلى 292 هجرية وتوفي سنة 270 هجرية.

وتعتبر شخصية أحمد بن طولون من الشخصيات الهامة في تاريخ مصر الإسلامي إذ تتمثل فيها النقلة التي انتقلتها مصر من ولاية تابعة للخلافة العباسية إلى دولة ذات استقلال ذاتي، وبعد أن أتم أحمد بن طولون بناء قصره عند سفح المقطم وأنشأ الميدان أمامه وبعد أن فرغ من تأسيس مدينة القطائع شيد جامعه العظيم على جبل (يشكر) فشرع في بنائه سنة 263 هجرية، وأتمه سنة 265 هجرية ودون هذا التاريخ على لوح رخامي مثبت على أحد أكتاف رواق القبلة. وهو وإن كان ثالث الجوامع التي أنشئت بمصر يعتبر من أقدم جامع احتفظ بتخطيطه وكثير من تفاصيله العمارية الأصلية، ذلك لأن أول هذه الجوامع جامع عمرو الذي بنى سنة 21 هجرية لم يبق أثر من بنائه القديم كما أن ثانيهما وهو جامع العسكر الذي بنى في سنة 169 هجرية قد زال بزوال العسكر.

وقد تناولت يد الإصلاح هذا الجامع كما امتدت إليه يد التدمير والخراب في فترات من عصوره المختلفة شأنه في ذلك شأن كثير من المساجد الأثرية الأخرى، ففي سنة 470 هجرية قام بدر الجمالي وزير الخليفة المستنصر الفاطمي ببعض إصلاحات بالجامع أثبتت على لوح رخامي مركب أعلى أحد أبواب الوجهة البحرية وأمر الخليفة المستنصر بعمل محراب من الجص بأحد أكتاف رواق القبلة بلغت فيه صناعة الزخرفة الجصية حد الدقة والإتقان ذلك عدا محرابين جصيين آخرين عمل أحدهما في العصر الطولوني والثاني في العصر الفاطمي وكلاهما برواق القبلة أيضا إلا أن أهم إصلاح أدخل على الجامع هو ذلك الذي قام به السلطان حسام الدين لاجين سنة 696 هجرية فقد أنشأ القبة المقامة وسط الصحن والتي حلت محل القبة التي شيدها الخليفة الفاطمي العزيز بالله سنة 385 هجرية بدلا من القبة الأصلية التي احترقت سنة 376 هجرية، والمئذنة الحالية ذات السلم الخارجي، والمنبر الخشبي، وكسوة الفسيفساء والرخام للمحراب الكبير، وقاعدة القبة التي تعلو هذا المحراب، وكثيرا من الشبابيك الجصية، ومحرابا من الجص مشابها للمحراب المستنصري بالكتف المجاورة له، وسبيلا بالزيادة القبلية جدده قايتباي فيما بعد.

وفي أواخر القرن الثاني عشر الهجري - الثامن عشر الميلادي - استعمل هذا الجامع مصنعا للأحزمة الصوفية كما استعمل في منتصف القرن الماضي ملجأ للعجزة، وما كادت تنشأ لجنة حفظ الآثار العربية سنة 1882م حتى شرعت في انتشاله من وهدته وأخذت في ترميمه وإصلاحه إلى أن كانت سنة 1918م حين تم إعداد مشروع لإصلاحه إصلاحا شاملا وتخلية ما حوله من الأبنية ورصد لذلك أربعون ألف جنيه أنفقت في تقويم ما تداعى من بنائه وتجديد أسقفه وترميم بياضه وزخارفه.

ويتكون جامع احمد بن طولون من صحن مكشوف مربع تقريبا طول ضلعه 92 مترا تتوسطه قبة محمولة على رقبة مثمنة ترتكز على قاعدة مربعة بها أربع فتحات معقودة وبوسطها حوض للوضوء ويسترعى النظر فيها وجود سلم داخل سمك حائطها البحرية يصعد منه إلى منسوب الرقبة.

ويحيط بالصحن أربعة أروقة أكبرها رواق القبلة ويشتمل على خمسة صفوف من العقود المدببة المحمولة على أكتاف مستطيلة القطاع استديرت أركانها على شكل أعمدة ملتصقة ويشمل كل من الأروقة الثلاثة الأخرى على صفين فقط، ويغطى الأروقة الأربعة سقف من الخشب حديث الصنع عمل على نمط السقف القديم وبأسفله ركب الإزار الخشب القديم المكتوب عليه من سور القرآن الكريم بالخط الكوفي المكبر.

ويبلغ طول الجامع 138 مترا وعرضه 118 مترا تقريبا يحيط به من ثلاثة جهات - البحرية والغربية والقبلية - ثلاث زيادات عرض كل منها 19 مترا على وجه التقريب ويكون الجامع مع هذه الزيادات مربعا طول ضلعه 162 مترا ويتوسط الزيادة الغربية الفريدة في نوعها والتي لا توجد مثيلة لها في مآذن القاهرة وأغلب الظن أنها اقتبست سلمها الخارجي من المنارة الأصلية للجامع ولعلها قد بنيت على نمط مئذنة سامرا وهى تبتدئ مربعة من أسفل ثم أسطوانية وتنتهي مثمنة تعلوها قبة ويبلغ ارتفاعها أربعين مترا. ووجهات جامع احمد بن طولون الأربع تسودها البساطة وليس بها من أنواع الزخرف سوى صف من الشبابيك الجصية المفرغة المتنوعة الأشكال والمختلفة العهود بين كل منها تجويفة مخوصة وتنتهي الوجهات كما تنتهي أسوار الزيادات بشرفات مفرغة جميلة ويقابل كل باب من أبواب الجامع بابا في سور الزيادة ذلك عدا بابا صغيرا فتح في جدار القبلة كان يؤدى إلى دار الإمارة التي أنشأها أحمد بن طولون شرق الجامع.

ويتوسط جدار القبلة المحراب الكبير الذي لم يبقى من معالمه الأصلية سوى تجويفه والأعمدة الرخامية التي تكتنفه، ويعلو الجزء الواقع أمام المحراب قبة صغيرة من الخشب بدائرها شبابيك جصية مفرغة محلاة بالزجاج الملون ويقوم إلى جانب المحراب منبرا حل محل المنبر الأصلي وهو مصنوع من الخشب المجمع على هيئة أشكال هندسية تحصر بينها حشوات محلاة بزخارف دقيقة بارزة وهذا المنبر يعتبر من أجمل منابر مساجد القاهرة وأقدمها وهو إن جدد الكثير من حشوه يعتبر من حيث القدم ثالث المنابر القائمة بمصر، فأولها منبر المسجد الموجود بدير القديسة كاترين بسينا والذي أمر بعمله الأفضل شاهنشاه في أيام الخليفة الفاطمي الآمر بأحكام الله سنة 500 هجرية، وثانيها منبر المسجد العتيق بقوص الذي أمر بعمله الصالح طلائع سنة 550 هجرية.