ديتشنغ مدينة الانسجام بين الطبيعة والإنسان

البيان الإماراتية 27/08/2004

قبل أكثر من ستين عاما أصدر الكاتب البريطاني جيمس هيلتون روايته «الأفق المفقود» التي صور فيها مكانا أسماه شانغرى ـ لا، أي المدينة الفاضلة، وبعدها شاع في العالم الاسم، وجاء الناس من شتى البقاع إلى الصين ونيبال والهند بحثا عن جنة الأحلام هذه،

فتشكلت موجه سياحية مستمرة منذ نصف قرن في مسعى للعثور على شانغرى ـ لا. مطار شانغرى ـ لا في ديتشينغ تصله بالطائرات القادمة من مطار شوانغليو في مدينة تشنغدو إلى مدينة كونمينغ أولا، ثم تغير الطائرة في كونمينغ، لتصله بعد أقل من ساعة طيران فوق الجبال المتراكبة.

في لغة أهل التبت، ديتشينغ تعني المكان المبارك المفعم بالسعادة. أما ديتشينغ فهي الولاية الذاتية الحكم لقومية التبت الوحيدة في مقاطعة يوننان، وواحدة من عشر ولايات ذاتية الحكم لقومية التبت في الصين. تقع في نقطة الالتقاء بين مقاطعتي يوننان وسيتشوان ومنطقة التبت الذاتية الحكم لقومية التبت، فيما يجعلها ممرا استراتيجيا لدخول التبت من يوننان. كانت ديتشينغ، في الزمن الغابر، محور مواصلات على طريق الشاي والخيول (تشاما) القديم في جنوب غربي الصين.

يمثل أبناء الأقليات القومية 84% من إجمالي قاطنيها، في حين يمثل التبتيون الثلث من إجمالي عدد أبناء أقلياتها القومية. العارفون يقولون إن الصفات التي أوردها جيمس هيلتون في روايته، سواء صور الحياة في جنة الشرق أو المكنون الروحي القائم على الانسجام بين البشر وبين الإنسان والطبيعة تنطبق على ديتشينغ.

يقول تشي تشا لا، رئيس ديتشينغ إن شانغرى-لا لا تنتمي إلى يوننان فقط بل للصين كلها والبشرية جمعاء لأنها جنة روحية. الولاية زاخرة بالموارد السياحية المشهورة، كما أنها تمتلك إمكانيات كبيرة لتطوير قطاع السياحة بها ولكن بيئتها الايكولوجية ضعيفة واقتصادها متخلف.

شانغرى-لا ليست فقط عالما تبتيا جميلا ساحرا، وفردوسا يسعى البشر إليه بل صورة مصغرة لتطلع التبتيين إلى مستقبل أكثر إشراقا خلال مئات السنين، كما أنها تجسد أسمى درجة الانسجام بين الإنسان والطبيعة.

يانغلا، ناحية تابعة لديتشينغ هي الأكثر بعدا عن مركزها، وهي الأكثر تجسيدا لشانغري-لا في ديتشينغ؛ فهي تقع بين الجبال المتراكبة في المكان الذي تلتقي عنده سيتشوان والتبت، وتعتبر القطب الشمالي بيوننان بسبب تضاريسها الوعرة الخطيرة التي تجعل مساعدة المناطق الفقيرة بها مهمة شاقة.

يانغلا من أكثر البقاع فقرا في يوننان، المسافة بينها وبين ديتشينغ عبر أيسر السبل، وهو طريق جبلي يمتد 37 كم تقطعه سيرا في يومين غير منقوصين. في السنوات الأخيرة ينقل إليها الأسمنت والأنابيب الفولاذية والمطاطية واللوازم اليومية وغيرها على ظهر الخيول والبشر فالماسورة الفولاذية تُحمل على ظهر الخيل من جانب، وعلى كتف الإنسان من الجانب الآخر. يقول ني ما جي، نائب أمين الحزب في يانغلا إن أبناء يانغلا يتسمون بالجلد ولديهم القدرة على تحمل هذه المشقات والمتاعب.

في سبعينات القرن الماضي أحدث أبناء يانغلا هزة كبيرة في المناطق حولها عندما جروا جرافة اشتروها إلى نهاية الطريق العام، وفككوها إلى قطع، وحملوها مجتازين الجبال المغطاة بالثلوج، وبفضلها حولوا عشرات الهكتارات من الأرض البور إلى حقول خصبة.

يانغلا هي الأكثر فقرا في ديتشينغ، وتبذل لجنة الحزب وحكومة يوننان كل جهد ممكن لمساعدتها. يقول أبناء يانغلا إن كل ما يحدث فيها يؤثر في قلب وانغ شيويه رن، نائب أمين الحزب في يوننان، المسئول عن أعمال مساعدة المناطق الفقيرة. يأتي وانغ إلى يانغلا بنفسه مرات ليتابع تنفيذ سياسات مساعدة المناطق الفقيرة ومشروعات مساعدة المناطق الفقيرة، ويتعرف على سير عملية التعديل الاستراتيجي للريف وإعادة الهيكلة الاقتصادية الريفية. هناك يتحدث مع أبناء التبت ويتعرف على أحوالهم ويناقشهم في كيفية تحسين أحوال المناطق القومية الفقيرة.

وحسبما يذكر موقع الصين اليوم: يؤكد وانغ أن المناطق القومية الفقيرة يجب أن تغتنم كل فرصة للتخلص من الفقر، وأن يكون توفير اللباس الدافئ والطعام الكافي للفقراء محور أعمالها الاقتصادية. استمع إلى تقارير العمل عن مساعدة المناطق الفقيرة المرفوعة من يانغلا مرات، وأصدر التوجيهات بتشكيل مجموعة بحوث ودراسات خاصة ترأسها لجنة الشئون القومية ومكتب مساعدة المناطق الفقيرة في يوننان، وطلب منهما أن تقدما خطة لمساعدة المناطق الفقيرة.

أدى إنشاء الطريق العام في يانغلا إلى الاستيلاء على بعض الحقول الزراعية، وتقاعست الحكومة عن دفع كافة التعويضات اللازمة لأصحاب الحقول، حيث بلغت المتأخرات 480 ألف يوان، وعندما علم وانغ بذلك أصدر توجيهاته بالدفع فورا. يقول لاو شي، رئيس ناحية يانغلا إن الانتقال إلى مسكن جديد أفضل من نقل جبل، والبناء أفضل من الانتقال إلى مسكن جديد. يصل الطريق العام الذي أنشأته ناحية يانغلا إلى المحافظة والولاية الآن، وسيتم إنشاء طريق عام يمتد على شاطئ نهر جينشا قريبا ليتخلص أبناء يانغلا من رحلة اجتياز الجبال الثلجية.

تستثمر حكومة ديتشينغ 400 ألف يوان في مشروع الإسكان المريح في العام الحالي من أجل تحسين ظروف الإسكان لأبنائها، ويجمع أبناؤها 800 ألف يوان بأنفسهم، وقد تم بناء مجموعة من المساكن النموذجية. تساعد الحكومة يانغلا على تطوير صناعة تعدين النحاس بقوة جبارة، ومن المتوقع أن يكون منجم النحاس في يانغلا أكبر قاعدة منجم للنحاس في يوننان. ستبدأ محطة داندا الكهرمائية في ديتشينغ توليد الكهرباء في نهاية العام الحالي، وقد تمت كهربة 58 قرية طبيعية أساسيا، وازدادت نسبة الالتحاق بالمدارس في يانغلا من 20% في الماضي إلى 98% الآن.

سياحة الطبيعة

ديتشينغ بها أروع وأندر الأنهار الجليدية والجبال الثلجية الحديثة الموجودة في المنطقة الجبلية المنخفضة خطوط العرض في العالم، ومحافظة شانغرى-لائ فقط بها 470 جبلا ثلجيا يرتفع كل منها أكثر من 4 آلاف متر.

تجتاز جبال ميلي الثلجية ذات الثلاث عشرة قمة متراكبة كل ديتشينغ، ويبلغ ارتفاع أعلى قممها؛ كاقهبوه، عن مستوى سطح البحر 6740 مترا، ولم يتسلقها أحد حتى الآن، وهي تاسع أكبر جبل مقدس للبوذية التبتية. تنتشر الأودية العميقة في ديتشينغ طولا وعرضا، وأشهرها وادي هوتياو في نهر جينشا ووادي نهر لانتسانغ وغيرهما، كما تمتد بها المروج والمراعي الجبلية والغابات العذراء والبحيرات الجبلية.

تقع ديتشينغ في منطقة زاخرة بمناجم المعادن غير الحديدية وبها موارد معدنية وافرة، وتحتل مرتبة متقدمة في يوننان وخارجها من حيث احتياطي النحاس.

تعيش فيها الفصول الأربعة في اللحظة الواحدة في الجبل ذاته، فالجو يختلف في مساحة عشرات الكيلومترات، ولهذا بها أكثر من 4800 نوع من النباتات العالية الدرجة، وأكثر من 1400 نوع من الحيوانات البرية، وفي الوقت نفسه تنتشر بها الجبال الثلجية والأعشاب والأنهار والأودية والبحيرات، وهذا ما جعل ديتشينغ من أكثر عشر مناطق تنوعا في الموارد الأحيائية بالعالم، وتعتبر مملكة طبيعية للنباتات والحيوانات وحديقة جبلية طبيعية وبنكا لمورثات الموارد الأحيائية.

في ديتشينغ ترى سهولا لا حدود لها، وأعشابا وزهورا صفراء وقطعان من البقر والغنم والجبال المتراكبة والبنايات الشاهقة على سفوح الجبال والجدران الحمراء وسطوح البيوت المطلية بالذهب والباغودات البيضاء على مداخل القرى وطبقات من القصور في المعابد والجبال الثلجية والأعشاب الخضراء وأشعة الشمس القوية كأنها مياه شلالات تتدفق من أعلى.

 Ø¨Ø­ÙŠØ±Ø© ناباهاي في ديتشينغ موطن للكركي الأسود العنق، وهو حيوان محمي من الدرجة الأولى للدولة، وبها قطعان من الخيول، وهي بحيرة ترتفع عن سطح البحر حوالي 4 آلاف متر، وتحيطها الجبال المتراكبة. 

على جانبي الطريق في ديتشينغ ترى كثيرا من أكوام ماني الحجرية، وفيها تختلط الثقافات القومية لهان والتبت وناشي، حتى الثقافة المسيحية الغربية لها فيها بقايا، كما أن بها منصة بايشوي التذكارية لأسلاف دين دونغبا ومعبد سونغتسانلين الذي يقال عنه قصر بوتالا الصغير وكنيسة تسيتشونغ الكاثوليكية الخ.