الجزائر: الصالون الدولي السابع للسياحة والأسفار 2005

الجزائر- منير الفيشاوي

من السهل أن تسافر إلى الجزائر وتدخل إليها، ولكن من الصعب أن تغادرها. ولعل أول أسباب ذلك السهل وذاك الصعب هو عم سعيد أو"لوشاي سعيد". إنه أشهر شخصية في السياحة الجزائرية، والتي إذا كانت زيارتك على عاتق وزارتها أو ديوانها الوطني، فستجده دائماً أول وجه بشوش يستقبلك، فتنفتح شهيتك لزيارة هذا البلد الجميل. وحين تنتهي الزيارة ستجده أيضا آخر شخصية تودعك، تاركا أثرا طيبا بحلو حديثه وتعليقاته اللاذعة. وما صعوبة مغادرة الجزائر إلا إمتدادا لما يلقاه الزائر فيما بين الوصول والمغادرة من حفاوة وكرم من جل الشعب الجزائري الطيب وما يحيط به من جمال الطبيعة الخلابة التي حبى الله الجزائر بها في كافة الولايات، علاوة على متعة النهل من التراث الشعبي والثقافي الجزائري العربي-الإسلامي، والضاربة جذوره في أعماق الزمن.

وزيارتي هذه المرة كانت تلبية لدعوة من وزارة السياحة الجزائرية بمناسبة انعقاد الدورة السابعة للصالون الدولي للسياحة والأسفار والذي انعقد هذا العام تحت رعاية السيد عبد العزيز بوتفليقة رئيس الجمهورية الجزائرية بقصر المعارض بالصنوبر البحري بمدينة الجزائر (العاصمة)ØŒ تلك المدينة  التي احتضنت هذا الحدث الكبير وأمتعت زائريها بجوها المعتدل ومعالمها الرائعة من شواطئ وجبال ذات غابات خضراء تتناثر عليها المباني والمساجد هنا وهناك، يعلوها ويتوجها نصب الشهيد، ولم لا.. وهي بلد المليون ونصف المليون شهيد؟!

أوله افتتاح.. وآخره نجاح!!

وفي تمام الساعة العاشرة من صباح يوم الاثنين المصادف 16 مايو/أيار 2005 ، افتتح نور الدين موسى وزير السياحة الجزائري وبصحبته إسماعيل ميمون وزير الصيد والموارد الصيدية بالجزائر هذا الحدث الكبير والمسمى "سيتيف" SITEV لتبدأ فعاليات هذا المعرض الهام الذي أشرف على الكثير من الجهود التنظيمية له سلفه محمد الصغير قارة وزير السياحة الأسبق. وحمل عبد العالي طير رئيس الديوان الوطني للسياحة ورفاقه الأشداء على عاتقهم كافة المهام التسويقية والتنفيذية له دون كلل، إلى أن أتى نور الدين موسى وزير السياحة وتسلم مهام منصبه، ليضفي على الصالون الدولي للسياحة والأسفار هذا العام لمساته المتميزة.

وفي كلمته الافتتاحية أعلن وزير السياحة الجزائري عن الهدف الأسمى للصالون هذا العام والمتمثل في "ترقية المنتوج السياحي الجزائري لدفع التدفقات السياحية نحو الجزائر" بعد أن عرفت توقفاً تامّا تقريبا خلال العشرية السوداء (أو سنوات الإرهاب). كما أعلن الوزير عن قدرة الجزائر لاستيعاب استثمارات كبيرة في ميدان السياحة، وأضاف في عبارة لا تنقصها الصراحة: "إن الكم في المرافق السياحية بالجزائر موجود، ولكن ينقصنا نوعية الخدمات المقدمة وأساليب إدارتها والتي يجب تطويرها كي تواكب المعايير الدولية الحديثة".

   وبعد انتهاء الوزير نور الدين موسى من إلقاء كلمته وإعلانه افتتاح الصالون لهذا العام، تفقد الوزيران كافة أجنحة المعرض وسط حضور حاشد من رجال الصحافة والإعلام الجزائريين والعرب والأجانب، علاوة على عدد كبير من المدعوين من العاملين في الحقل السياحي وخدماته من كافة الولايات الجزائرية.

ثلاثمائة جناح بالمعرض

ضمّت قائمة المشاركين في الدورة السابعة للصالون الدولي للسياحة والأسفار بالجزائر حوالي ثلاثمائة عارض من بينهم أجنحة  21دولة عربية وأجنبية، علاوة على باقي المشاركين وجميعهم من كافة الولايات الجزائرية موزعين على صالات المعرض والتي تنوعت المشاركات فيها مابين كافة أشكال الخدمات الأساسية لعملية السياحة مثل: الفنادق ومدارس السياحة والفندقة والأطعمة، شركات النقل البري والبحري وخطوط طيران محلية ودولية، مؤسسات التسيير السياحي، دواوين السياحة من كافة الولايات الجزائرية، منظمي الرحلات الجماعية (تورأوبريتور) ووكلاء السياحة، علاوة على جناح الشباب والرياضة في الجزائر والذي كان يعرض لمعدات وأدوات رياضية، وكذلك جناح كبير للمعدات الفندقية بكافة أشكالها من أفران وثلاجات وحاسبات آلية وما شابه، وأيضا أجنحة تعرض وتبيع الملابس الفندقية والتراثية الشعبية والفلكلورية واللوحات الزيتية والتحف.

وقد زار عشرات الآلاف من المهنيين والجمهور أروقة المعرض على مدار أيامه الخمسة، أبرم خلالها رجال الأعمال المتخصصون العديد من الاتفاقات، وروَّج منظمو الرحلات والوكلاء السياحيون لبرامجهم السياحية وفنادقهم ومنتجعاتهم. واتسعت آفاق المعرفة بالسياحة الجزائرية والعربية والدولية المشاركة، خصوصاً مع انعقاد يوم دراسي وورشة عمل على هامش الصالون بقاعة السينما (علي معاشي) الملحقة بقصر المعارض في ندوات حافلة بالمناقشات والمحاضرات.

يوم دراسي..وورشة عمل

كان موضوع اليوم الدراسي هو: "السياحة عامل للتنمية والمصالحة والتسامح بين الثقافات" والذي شارك فيه أخصائيون من داخل وخارج الجزائر، عكفوا على تناول فكرة السياحة كعامل للتقارب بين الشعوب، من خلال العديد من مداخلات خبراء دوليين وجزائريين تناولت الموضوعات الرئيسية التالية:

·       قانون أخلاقيات السياحة للمنظمة العالمية للسياحة أداة لتكريس مبادئ التسامح والتفاهم واحترام الغير.

·       علاقة السياحة البيئية بالمحيط.

·       السياحة المستدامة.. عامل محافظة وترقية الثقافات والتراث.

·       المحافظة على المحيط وعلاقته بالتنمية السياحية ودور التوعية في الوسط المدرسي.

·        Ø§Ù„سياحة الجمعوية.. فضاء للتلاقي والتعارف والتبادل.

·       عشرية الأمم المتحدة من أجل ثقافة السلم واللاعنف لصالح أطفال العالم 2001 -2010 .

·       ترقية السياحة وحماية التراث والبيئة ودورهما في التقارب بين الشعوب والثقافات.

·        Ø§Ù„سياحة المستدامة: ممارسات تحترم الموارد والنظام البيئي.

·       علاقة قطاع الأشغال العمومية بالسياحة المستدامة.

·       دور النقل في تنمية السياحة المستدامة.

·        Ø¯ÙˆØ± السياحة في المحافظة وترقية الحرف التقليدية.

·       علاقة قطاع الصيد البحري بالسياحة.

وفي اليوم اللاحق لليوم الدراسي تم تنظيم ورشة عمل بحضور مختصين وطنيين وأجانب تطرقوا إلى موضوع "التنمية السياحية وانعكاساتها على النمو المستدام".

أنشطة إعلامية متنوعة

على صعيد آخر كان المركز الصحفي التابع لإدارة الصالون يعمل كخلية نحل، حيث كان الصحفيون والإعلاميون يبثون رسائلهم وتقاريرهم الصحفية إلى كافة أرجاء العالم خصوصاً إلى أوربا التي دُعي منها الكثير من الصحفيين والإعلاميين الغربيين. وكان من المستغرب انحصار دعوة أو حضور الصحفيين العرب من غير الجزائريين في اثنين فقط –على حد علمنا – أحدهما كاتب هذه السطور، ولا ندري إن كان هذا يعكس اهتماماً وتركيزاً خاصاً من قبل القائمين على السياحة الجزائرية في الترويج لها بالأسواق الأوربية دون مثيلاتها العربية في الوقت الراهن؟! أم أن القصور في هذا الصدد آت من عدم الاهتمام العربي بالسياحة الجزائرية؟! أم الاثنين معاً ؟! أم أنه ظرف حكمته صدفة ما؟‍‍‍‍‍ خصوصا وأننا لاحظنا أيضاً صدور الصحيفة اليومية للصالون "لاغازيت" والتي تصدر في ثمان صفحات، ست منها بالفرنسية، وواحدة بالإنكليزية، وواحدة بالعربية؟! إلا أنه يحسب للديوان الوطني للسياحة.. إصدار مجلته "سياحة الجزائر" باللغتين العربية والفرنسية مناصفة لكل منهما.

وقد أعدت إدارة الصالون زيارات للإعلاميين لبعض الولايات ومن أهمها ولايات عنابة وتيبازة وشرشال وغيرها، وكذلك زيارات لبعض المتاحف والمواقع الأثرية. كما وجه د. عبد الرحمن بلغات مدير عام شركة ACCOR ومدير عملياتها بالسعودية دعوة بفندق سوفيتيل- الجزائر استعرض خلالها مشروع برج زمزم الذي تشيده الشركة والزاخر بالعديد من المزايا وأهمها موقعه المجاور للكعبة الشريفة في مكة، وتسويقه على أساس حقوق انتفاع يقوم بشرائها العملاء في صورة صكوك انتفاع.

"السياحة الإسلامية".. تتألق

وعن مشاركة مجلة "السياحة الإسلامية" في فعاليات الصالون الدولي السابع للسياحة والأسفار، فقد كانت حافلة بالكثير من الإيجابيات، والتي مهد لها قيام الديوان الوطني للسياحة بنشر مقالين بالعربية والفرنسية في مجلتة "سياحة الجزائر" في عددها الذي يحمل الرقم 32 تناولت التحقيق المصور عن السياحة الإسلامية بالجزائر والذي كنا قد نشرناه كموضوع غلاف (العدد رقم 15)، كما استقبل مندوب المجلة بحفاوة بالغة خصوصاً من قبل كبار المسؤولين عن السياحة في الجزائر سواء بالوزارة أو الديوان الوطني للسياحة. وقد كان من أصداء ذلك حرص التليفزيون الجزائري على استضافة كاتب هذه السطور في برنامج "صباحيات"، حيث قامت خلاله المذيعة الجزائرية اللامعة لبنى ذيب بإدارة حوار معنا عن مجلة السياحة الإسلامية وأهدافها والآفاق المستقبلية للسياحة الجزائرية وتقييمنا لمشاهداتنا للمعالم السياحية بالجزائر، وانطباعاتنا عما تزخر به من كنوز وعوالم سياحية متنوعة، وكذلك تقيمينا لفعاليات الصالون لهذا العام.

وفي يوم الجمعة المصادف21 مايو/أيار 2005 اختتمت أعمال الصالون الدولي السابع للسياحة والأسفار بالجزائر، مخلِّفة وراءها نجاحا باهراً في التنظيم، وآملة في تحقيق نجاحات أكثر إبهاراً في الدورة المقبلة، حاملة معها آمال الجزائريين في تحويل حلم السياحة الجزائرية الواعد إلى حقيقة ملموسة في جعل الجزائر في مقدمة الدول السياحية على خريطة السياحة العالمية.

وغادرنا الجزائر ونحن سعداء بما تحقق، آملين في تحقيق غد أفضل للسياحة الجزائرية بإذن الله، تصاحبنا وتودعنا ابتسامات عم سعيد، وتطن في آذاننا تعليقاته اللاذعة، والتي كانت بمثابة مسك ختام زيارة هذا البلد الجميل الأصيل..الجزائر.