من زارها فقد زار الدنيا عشرة أيام جميلة في بلاد الهند اÙ

معتز عثمان – الهند

صداقة قديمة وثقة متبادلة تربط بين كاتب هذا المقال ومجلة السياحة الاسلامية من جهة وبين وزارة السياحة الهندية ومكتب سياحة الهند في دبي وهيئات السياحة في المقاطعات الهندية من جهة أخرى، توجت بالدعوة لزيارة الهند والمشاركة في أعيادها ومهرجاناتها في مدينتي بيوني ومومباي، واستكملت بزيارة معرض كيرلا السياحي، واختتمت بزيارة مقاطعة جوا.

والهند هي إحدى الدول العشرة العظمى في العالم. وتأتي عظمتها من أمور عدة منها اتساع رقعتها الجغرافية وتنوع مناخها وروعة طبيعتها بدءا من جبال الهملايا الشاهقة ومرورا بالجبال والتلال والسهول والغابات والأنهار والشلالات والشواطئ الرملية الذهبية والمياه الخلفية، إضافة إلى الحياة البرية الواسعة. ومن أسباب عظمة الهند عدد سكانها الهائل الذي تجاوز المليار ومائة مليون، كما أن تاريخها القديم الذي يعود لأكثر من 5000 سنة وتعدد الأديان والمعتقدات والأصول واللغات أوجد تنوعا ثقافيا كبيرا. ويظهر ذلك من خلال النصب التذكارية العديدة مثل تاج محل أحد عجائب الدنيا، ومن مئات الأعياد والمهرجانات التي تقام على طول البلاد وعرضها. هذا بالإضافة إلى اقتصادها الضخم وصناعاتها الثقيلة المتطورة وخاصة ريادتها في صناعة وتطوير البرامج الآلية للكمبيوتر وتوليد الطاقة النووية. كل هذه الأسباب وغيرها الكثير تجعل من الهند مقصدا سياحيا أساسيا على خارطة العالم السياحية يلبي رغبات كل من يزورها، وقد قيل أن من زار الهند زار الدنيا.

مدينة مومباي

مومباي مدينة ساحلية ضخمة تقع على بحر العرب وهي واحدة من أعرق وأقدم مدن العالم ، عرفت منذ قديم الأزمان كإحدى محطات طريق الحرير ومركز لتصدير التوابل الهندية إلى العالم، غزاها الإنجليز الذين غيروا اسمها إلى بومباي، كما غزاها الهولنديين والبرتغاليين وترك كل منهم بصماته فيها. يقطنها اليوم ما يزيد عن 18 مليون نسمة وتعتبر بوابة الهند الغربية لكونها أكبر المدن الهندية على الساحل الغربي كما تعتبر العاصمة التجارية والثقافية والفنية للهند حيث يقام بها سنويا مئات العروض الفنية والثقافية، وقد هاجر إليها ملايين الهنود من محتلف المقاطعات الهندية طلبا للرزق.

تشتهر مومباي بأبنيتها العريقة والفن المعماري الرفيع مثل بوابة الهند والمحكمة العليا والسكرتارية القديمة ومباني الجامعة ومعالم أعمدة فكتوريا ومباني سكة الحديد. كما تشتهر بشوارعها المغطاة بالأشجار الضخمة المعمرة وبحدائقها العامة. وتتميز مومباي بأسواقها التجارية ومراكز التسوق فيها التي تشمل مختلف أنواع المعروضات مثل الذهب والمجوهرات والتحف والأزياء والجلود والتي تتوفر بتشكيلة كبيرة وبأسعار معقولة ومغرية للشراء. كما تشتهر مومباي بفنادقها الضخمة الفاخرة ومطاعمها العديدة التي تقدم مختلف أنواع الوجبات من المطعم الهندي والمطاعم العالمية وتشتهر بتقديم أشهى أطباق المأكولات البحرية. وتعتبر مومباي اليوم إحدى المدن الرئيسية التي تربط الشرق والغرب من خلال مطارها الدولي والذي تهبط فيه معظم شركات الطيران في العالم.

تعتبر مومباي مقصدا سياحيا بحد ذاتها لما تتمتع به من مقومات سياحية ، كما تعتبر نقطة عبور لباقي المقاطعات الهندية.

مهرجان جانيش    

يصل تعداد أتباع الديانة الهندوسية المليار نسمة تقريبا وهم يشكلون أكثر من 70% من سكان الهند. وللهندوس أعياد ومهرجانات عديدة تقام على مدار العام بعضها يتم الاحتفال به في كافة أرجاء الهند والبعض الآخر داخل بعض الولايات أو المقاطعات.

أحد هذه المهرجانات يسمى مهرجان جانيش وهو إله يمثل له بجسم انسان له رأس فيل. وتقول الرواية إن جانيش هو ابن الملك شيفا والملكة بارفاتي، وكان قد سافر الملك بعد زواجه من الملكة مباشرة لخوض الحروب وعند عودته بعد اثني عشر عاما رفض أحد الحراس السماح له بدخول القصر فقام الملك بقطع رأس الحارس والذي تبين لاحقا أن الحارس هو جانيش ابن الملك الذي لم يره طيلة هذه السنين. وعندما علم بالأمر غادر القصر مع زوجته الملكة ووجد فيلا مع أمه فقطع رأس الفيل ووضعه على جسد ابنه، وعندها قالت الملكة إن شكل ابننا الحالي غير مقبول أجابها أن جانيش سيكون محبوبا وستكون له مكانة رفيعة بين الشعب.

أما في الوقت الحاضر وبعد سؤالي العديد من الهنود الهندوس، كان جوابهم واحدا وهو أن جانيش يعتبر واجهة الخير والحظ السعيد حيث كل من أراد أن يبدأ عملا جديدا أو يشتري منزلا أو يقدم على الزواج فإنه يدعو جانيش أن يوفقه، كما يمثل جانيش لهم الحكمة ويعتقدون أن الشكل الجمالي الخارجي للإنسان لا علاقة له بطبيعة الإنسان وطيبته ومثالهم على ذلك شكل جانيش الخارجي مقارنة بمكانته.

يقام مهرجان جانيش سنويا وتحدد أيامه العشرة حسب السنة الهندية، وتبدأ التحضيرات قبل أشهر من موعده حيث تقوم العائلات بتحضير أصنام لجانيش وبأحجام مختلفة وكل حسب رغبته ويقوموا بتزيينه والباسه اللباس الجميل، كما يقوم آخرون بتحضير أصنام ضخمة جدا لجانيش يزيد ارتفاعها عن 50 مترا، وعندما يأتي اليوم العاشر وهو اليوم الأهم في المهرجان فإن المشهد يبدو مختلفا وغريبا جدا ويتمثل في قيام ملايين الهنود الهندوس في مدينة مومباي بالسير عبر الشوارع وهم يرقصون ويغنون ويجرون الأصنام الضخمة لجانيش وبعضهم يحمل أصناما صغيرة ويتوجهون جميعا نحو شاطئ شوباتي وهو شاطئ واسع وضحل المياه ويظلون يسيرون حتى يصلون المياه العميقة التي يغطسون فيها إلى رؤوسهم، وعندها يقومون بإغراق الأصنام في المياه.

ويعود بعدها كل إلى منزله وكانت الفرحة مرسومه على وجوه جميع المشاركين من رجال ونساء وأطفال وكانوا يغنون ويرقصون وهم يلبسون أفضل ما عندهم من ملابس.

مدينة بيوني ومهرجانها

على بعد 170 كلم شرق مومباي تقع مدينة بيوني التي وصلناها ظهرا حيث كانت أجواء الأعياد واضحة في المدينة، ومع أن الاحتفال الأساسي هنا مرتبط مع أيام مهرجان جانيش إلا أن مهرجان بيوني يأخد الطابع الثقافي والفني حيث تقام المسرحيات والحفلات الراقصة والغنائية من قبل الفرق المحلية كما تقام الحفلات الموسيقية والدراما ويتم عرض عشرات الأفلام السينمائية والعديد من المسابقات الرياضية مثل رياضات الجولف وسباق السيارات. كما يشمل المهرجان العديد من الفقرات المخصصة للأطفال. ويعتبر بمثابة العيد الرئيسي حيث تعلق الدوائر العامة والخاصة أعمالها ويتم صرف راتب شهر كامل لكافة الموظفين في القطاعين العام والخاص وتقوم العائلات بتبادل الزيارات فيما بينهم. وتتسابق الشركات الكبيرة لرعاية المهرجان الذي تبلغ نفقاته ما يزيد عن مليون دولار خلال أيامه العشرة. وقد حضرنا الحفل الموسيقي الرئيسي والذي اشتمل على معزوفات ورقصات شعبية وفولكلورية عديدة نالت إعجابنا ورضا الحضور.

مقاطعة جوا

نظرا لضخامة مساحة الهند والتنوع البيئي والثقافي فيها فانك تشعر بانتقالك من مقاطعة إلى اخرى وكأنك تنتقل من بلد إلى آخر. هذا ما أحسست به عند زيارتي لمقاطعة جوا على بحر العرب والتي تعد أصغر مقاطعة في الهند من ناحية المساحة، وسكانها يدين أغلبهم بالديانة المسيحية. وجوا والتي تعتمد أساسا على السياحة تعتبر أكثر المقاطعات الهندية انفتاحا على الغرب.

يتوفر على شواطئها الرملية الذهبية عشرات الفنادق والمنتجعات السياحية ويقصدها عشرات الآلاف من السياح من مختلف دول العالم بين أشهر نوفمبر/ تشرين الثاني ولغاية أبريل/ نيسان من كل عام حيث يتوقف هطول الأمطار الموسمية الغزيرة التي تسقط ابتداءً من أشهر مايو/ أيار وحتى سبتمبر/ أيلول والتي جعلت من جوا مقاطعة خضراء بالكامل.

الرحلة من مومباي إلى مدينة بانجا عاصمة جوا تستغرق ساعة من الزمن. وصلتها جوا في بداية شهر أكتوبر/ تشرين الأول الفائت حيث انتقلت إلى منتجع رامادا السياحي الفاخر على الساحل الجنوبي عبر طريق ريفي مغطى معظمه بأشجار النخيل وجوز الهند الضخمة وتشاهد على جنباته أصناف الماشية التي ترعى في السهول الخضراء الواسعة والشلالات والأنهار والبحيرات وفي الطريق شاهدت أعمال الصيانة في الشوارع والتي تقوم بها المقاطعة تحضيرا للموسم السياحي القادم.

في اليوم الثاني اصطحبني الدليل في جولة على المواقع الأثرية في جوا ، حيث زرت معبد شيفا الذي بني قبل 450 عاما ويحتوي المعبد على عدة نقوش إسلامية على جدرانه ونوافذه، كما زرنا الكنيسة وهي إحدى المعالم الرئيسية في جوا حيث يوجد جثمان القديس فرانسيس الذي توفي في العام 1552 ميلادي وما زالت جثته كما هي وهذا ما يعتبره الأهالي بمثابة معجزة ويتم إنزالها في شهر نوفمبر/ تشرين الثاني من كل عام حتى يراها الزوار، كما زرت عددا من شواطئها الجميلة ومنها شاطئ دونا – بولا، وهما عاشقان أحبا بعضهما الآخر ونظرا للفارق الاجتماعي بينهما فقد رفض أهلهما الزواج فما كان منهما الا أن أنهيا حياتهما على صخرة الشاطئ. وهذا الشاطئ واسع جدا ويشتهر بوجود معظم الرياضات المائية فيه، إضافة إلى المطاعم والجلسات التي تطل على بحر العرب.

جوا مقاطعة سياحية نظيفة بكل معنى الكلمة تفتح أبوابها لاستقبال السياح من كل دول العالم، ويتمتع مواطنوها بثقافة عالية وبرغبة أكيدة لخدمة السياح، سماها أو شبهها البعض بسويسرا الشرق وأنا أوافق على هذا التشبيه.