المساجد والأسواق تتقاسم أوقات الليبيين في رمضان

ليبيا - محمد عبعوب    

الحياة 13/10/2005

تقتسم المساجد والأسواق في ليبيا أوقات فراغ غالبية الناس في المدن الكبرى، فالاثنان مقصدان مفضلان لغالبية الليبيين بعد فراغهم من أعمالهم. ولا تشكل النوادي الفاعلة أو المكتبات، التي أصبحت نادرة هنا، أو المسارح التي تغط في نوم عميق، مع استثناء محدود لمسارح مدينة بنغازي، مقصداً إلا لشريحة محدودة.

وما أن ينطلق الأذان الداعي للصلاة، حتى تشهد شوارع طرابلس والمدن الليبية الكبرى سيلاً من الناس مسرعين نحو المساجد، كما تغص الشوارع المحيطة بهذه المساجد بسيارات المصلين. وبعد كل صلاة ولدقائق عدة تشهد حركة الشوارع التي توجد فيها مساجد، ازدحاماً بسبب أفواج المصلين من كل الأعمار الخارجين من الصلاة، وترتفع وتيرة هذا الازدحام خلال شهر رمضان في شكل لافت.

والى سنوات قريبة، كانت الأسواق هي المقصد الرئيس للناس في شهر رمضان، واليوم تقتسم مع المساجد أوقات فراغهم. فما إن يفرغ المواطن هنا من جولته الاعتيادية في الأسواق والمحلات التجارية، حتى يتوجه إلى المسجد لتلاوة ما تيسر من القرآن أو للصلاة والتسبيح أو لسماع درس في العبادات يلقيه شيخ مكلف من هيئة الأوقاف المسؤولة عن إدارة المساجد. وتتوجه نسبة من الشباب إلى مقاهي الإنترنت، المتنفس الوحيد لهم وذلك لدخول مواقع الدردشة، والفوز بصديق أو متابعة أخبار الرياضة العالمية.

وأصبحت ظاهرة اللجوء إلى المساجد والتردد عليها لأداء الصلاة في أوقاتها، لافتة للنظر في طرابلس وبقية المدن. وهي ليست جديدة بحد ذاتها، ولكن جديدها هو ارتفاع عدد المصلين الحريصين على أداء الصلاة في المساجد، خصوصاً خلال شهر رمضان، حتى إن المساجد على رغم كل التوسيعات المتكررة التي أجريت عليها لم تعد تتسع للمصلين، خصوصاً في أيام الجمعة التي تتحول فيها الشوارع المحيطة بالمساجد إلى ساحات للمصلين الذين لم يسعهم صحن المسجد وأروقته.

ويشكل الشباب نسبة كبيرة من رواد المساجد ، إلى جانب كبار السن المتقاعدين أو العاطلين من العمل أو من أصحاب المهن الحرة. وقد تحولت المساجد في ليبيا خلال العقدين الأخيرين إلى القيام برسالة إضافية كانت هجرتها منذ عقود مضت وهي رسالة التعليم، إذ لا يكاد يخلو مسجد في طرابلس أو غيرها من المدن الكبرى اليوم، من رواق للدراسات المتعلقة بالقرآن الكريم وباللغة العربية، وحتى ببعض العلوم التطبيقية يقوم بإدارتها شبان وشابات متطوعون أو في مقابل أجر رمزي.

وقد ساهمت هذه الأروقة أو الزوايا كما تسمى هنا، إسهاماً كبيراً في السنوات الأخيرة في محو أمية ربات المنازل، حيث تتردد آلاف السيدات غير المتعلمات إلى هذه الزوايا، ويتلقين دروساً في الكتابة والقراءة وتلاوة القرآن الكريم.

وعلى رغم الوقت الكبير الذي يقتطعه المسجد من فراغ المواطن خلال شهر رمضان، فان الأسواق هي الأخرى ما زالت تستحوذ على جزء مهم من وقته. وسجلت الأيام الأخيرة من شهر شعبان واليومان الأولان من رمضان، ذروة الازدحام في أسواق طرابلس، خصوصاً أسواق الخضر واللحوم. وقد شهدت الأسعار ارتفاعاً ملحوظاً، فلا تكاد تجد سلعة على سعرها السابق، وكل ذلك في غياب كامل لأجهزة الرقابة على الأسعار، حيث يقوم العرض والطلب بدور الضابط لحركة الأسعار.

ويلاحظ الزائر إلى الأسواق تراجعاً في الإقبال النهم على التبضع، بسبب محدودية الإمكانات المادية أمام متطلبات الحياة التي توسعت وتنوعت أمام مرتبات جامدة منذ عقود.

وما أن ينقضي أسبوعان من هذا الشهر الكريم، حتى تطل على الأسواق بشائر العيد، وما يعنيه من ضغط وأزمات على جيوب أرباب الأسر الذين استنفد رمضان كل مرتباتهم. وتبدأ رحلة البحث عن الثياب الجديدة للأطفال الذين لا يعرفون من العيد إلا فرحته وثيابه الجديدة. وبانقضاء الأسبوع الثالث من رمضان تتحول شوارع طرابلس وكبريات المدن إلى بازارات كبيرة تفيض بكل أنواع وأشكال الملابس والأحذية من مختلف بلدان العالم. ويهجر الناس أسواق الأغذية لينتقلوا إلى أسواق الملابس، وتفادي الزحام الخانق.