منتجع كارلوفي فاري بجمهورية التشيك 24 ساعة من الصحة والØ

كارلوفي فاري- عبد الصاحب الشاكري

الذكريات والأيام الجميلة لا تنسى. عادت بي الذاكرة إلى الأعوام 1958-1978، عندما كنت أزور منتجعات تشيكوسلوفاكيا للراحة والاستجمام، وذلك خلال رحلات العمل التي كنت أقوم بها لشراء ماكينات لمصانع الأحذية والجلود التي أملكها في العراق. هذه الزيارة والتي جاءت بعد ما يقارب 50 عاما من زيارتي الأولى دعيت إليها من سياحة جمهورية التشيك لزيارة منتجع كارلوفي فاري العريق ولنقل مشاهدتي لقراء مجلتي "السياحة الإسلامية". وفيما يلي تفاصيل رحلتي التي رافقني فيها السيد معتز عثمان واستمرت أربعة وعشرون ساعة فقط وذلك لاضطرارنا للعودة إلى لندن للمشاركة في معرض السياحة العالمي.

بعد اختتام أعمال معرض مادي للسفر والذي أقيم في مدينة براغ بالفترة بين 8-10 تشرين الثاني/نوفمبر حيث عرضنا فيه مجلة السياحة الإسلامية زارتنا السيدة لينكا كلينتوفا مديرة المنتجعات في سياحة التشيك وسلمتنا برنامج رحلتنا إلى كارلوفي فاري وسلمتنا أيضا كأس شرب المياه الصحية الشهير والذي سنشرح عنه لاحقا.

كان لا بد من زيارة أسواق وساحات مدينة براغ إحدى أعرق مدن أوروبا وأجمل مدن العالم والتي كانت توصف بـ"المدينة الذهبية" والتي تشتهر بقلاعها ومبانيها القديمة وجسورها التاريخية وبنهر فلتافا والتي تقع مدينة براغ على جانبيه. وبعد أن قمنا ببعض المشتريات تناولنا العشاء في أحد مقاهيها العريقة التي شهدت زواياها الكثير من الأدباء والشعراء العرب، مثل الشاعر محمد مهدي الجواهري الذي كتب فيها أجمل وأهم نتاجه الشعري، والفنان عزيز علي وغيرهما، اتجهنا إلى الفندق حيث كنا على موعد في صباح اليوم الثاني 11 تشرين الثاني/نوفمبر لزيارة منتجع كارلوفي فاري. 

انطلقنا من مدينة براغ وباتجاه الشمال وعلى طريق منظم تحيط بجنباته مختلف أنواع الأشجار والتي تحمل أوراقها من الألوان الأصفر والأحمر والبني والأخضر وبدرجاته نتيجة تبدل ألوانها في فصل الخريف، وفي سيارة الشكودا ذات المنشأ التشيكي وصلنا إلى كارلوفي فاري والتي ترتفع عن سطح البحر بين 360-644 م. زرنا في البداية مصنع زجاج وكريستال موزر الذي أسس في العام 1857 وما زال لغاية الآن ينتج أفخر أنواع الزجاجيات بألوانها وتصاميمها الغنية الفريدة، وتوجهنا بعدها إلى مقر إقامتنا في بارك هوتيل أحد أفخر فنادق كارلوفي فاري. وبعد استراحة لبعض الوقت تناولنا الغذاء وبعدها اصطحبتنا المضيفة من سياحة التشيك في جولة سيرا على الأقدام في شوارع كارلوفي فاري وهنا عرفنا الغاية من كأس الشرب الذي زودونا به، فأثناء سيرك تجد اثنا عشر نبعا للمياه المعدنية الحارة ونبعا للمياه المعدنية الباردة، وكل منها يحمل رقما ولكل مواصفات تختلف عن المياه الأخرى من حيث درجة حرارتها والمواصفات والأملاح المعدنية التي تحويها والتي تخصص كل منها لمعالجة الأمراض والمشاكل الصحية، وهي توصف بدرجات، فمثلا يجب أن تشرب أربعة كأسات من مياه النبع رقم كذا لمعالجة مشكلة صحية معينة، ولهذا السبب يجب عليك أن تحمل الكأس معك باستمرار حيث يمكنك أن تعبئ كأسك من الينابيع المنتشرة على الطريق، وصلنا بعدها إلى النبع الرئيسي.

كارلوفي فاري إحدى أشهر وأعرق منتجعات أوروبا اكتشفت قبل 600 عاما تقريبا ويزورها سنويا مئات الألوف من السياح بقصد الراحة والاستجمام ومراجعة عياداتها الصحية وشرب مائها. وهي عبارة عن واد كبير تحيط به الجبال المشجرة من جميع الجهات، ويخترق المدينة نهر تيبلا والذي يلطف جوها ويبث الهواء النظيف أثناء جريانه. وعلى يمين ويسار النهر وأثناء تجولك تجد التصاميم المعمارية الفريدة للأبنية والفنادق والمنتجعات والعيادات الصحية والتي تقدم خدماتها لمختلف الجنسيات ولمختلف المستويات وتحرص على توفير كل ما يحتاجه الضيف. وهنا النظافة عنوان الفخر فمن الصعب أن تجد أي قمامة في الشوارع المخصصة بشكل عام للمشاة. وقد قالت لنا مضيفتنا أنه يمكنكم السير وفي مناطق مخصصة داخل وحول كارلوفي فاري مسافة 120 كم ويمكنكم أيضا زيارة قرية بيكوف ند تيبلو وقلعتها الشهيرة أو زيارة منطقة لوكيت لزيارة المتحف وتشكيلة كبيرة من السيراميك والفخاريات.

كان موعدنا الأول في النادي الصحي الخاص الذي تجد فيه المنتجعات العائدة للقطاع الخاص أو المنتجعات الحكومية، واسم النادي الصحي زاميكي لازني. وهنا يمكنك السباحة في المياه المعدنية واختيار أي نوع من المساجات: للجسم أو للوجه أو للّثة أو للقدمين والتي تقدم لك من قبل متخصصين. ومن المشاهدات الجيدة أن النادي الصحي غير مكتظ وهم يسمحون فقط لأعداد معينة بالدخول حتى لا ينزعج الزوار من الاكتظاظ.

في صبيحة اليوم الثاني جاء إلى الفندق السيد مارك كراكورا مدير عيادة أسكلبيون واصطحبنا إلى العيادة، وهي عبارة عن مستشفى صغير يقدم خدمات عديدة وتوجد به عيادة لطب الأسنان للمعالجة ولتبييض الأسنان، وعيادة أخرى للعناية بالبشرة من الوجه إلى اليدين والجسم، وعيادة للتجميل وإزالة التجاعيد والتنحيف، وقد سألناه ماذا تقدمون أيضا، فقال كل ما يخطر ببالكم، حتى أن العديد من ضيوفنا يعانون من الشخير أثناء النوم وعندنا العلاج المناسب له. هذه العيادة هي جزء من مجموعة بريستول والتي تحوي أيضا ناديا صحيا تتوفر فيه الأدوات الرياضية والمسابح والجاكوزي وغرف السونا والحمام التركي وغيرها مما يتوفر في النوادي الصحية الفاخرة. وقد أمضينا ساعتين من الوقت في النادي الصحي وبعدها تجولنا في أبنية المجموعة والتي تضم أيضا فندقين وبهما أجنحة ملكية فاخرة إضافة إلى غرف مختلفة المساحات، كما زرنا غرفا خاصة للصلاة وللوضوء للرجال والنساء وبشكل مستقل حيث تحرص إدارة المجموعة على توفير كل سبل الراحة للسائح العربي والمسلم.

كارلوفي فاري ليست منتجعا صحيا فقط ولكنها أيضا مركز ثقافي هام في أوروبا حيث يقام في شهر آيار/مايو من كل عام مهرجان النوادي الصحية ومهرجان موسيقى الجاز الدولي، وفي شهر يوليو من كل عام يقام مهرجان موسيقي لألحان موزارت ومهرجان السينما العالمي إضافة إلى العديد من المهرجانات والاحتفالات في أشهر آب/أغسطس وأيلول/سبتمبر وتشرين الثاني/نوفمبر، كما تنظم سباقات عالمية للرياضة والعديد من المؤتمرات. ويحرص منظموا هذه المؤتمرات على توفير أفضل الأجواء للمشاركين.

وبعد تجولنا داخل مجموعة بريستول عدنا إلى مطار براغ، وقد لاحظنا أثناء عودتنا أن مصابيح السيارات مضاءة علما بأن الوقت كان في فترة الظهيرة، واعتقدنا في البداية أننا سنواجه الضباب على طريقنا، ولكن تبين أن قانون سير جديد سن في التشيك يلزم السيارات باضاءة مصابيحها أثناء السير، ليلا أو نهارا، وذلك حرصا على توفير أكبر قدر من السلامة.

لا بد من الإشارة هنا إلى الحفاوة والتكريم الذي قوبلنا به أثناء زيارتنا إلى جمهورية التشيك، كما أن التنظيم الدقيق لبرنامج الرحلة والمناطق الجميلة التي زرناها كانت من الأسباب التي جعلتنا نتمنى لو أن رحلتنا استمرت وقتا أطول. 

زيارة هذا المنتجع بحاجة إلى أسبوعين يمكنكم فيها تجديد حيوتكم ومظهركم باشراف أخصائيين محترفين حيث تعودون إلى بلادكم مطمئنين على صحتكم وسلامتكم.

ويقال أنك اذا زرت كارلوفي فاري فستقع في حبها وستعود إليها وهذا ما حصل معي أما رفيقي معتز فقال سأجني مليون دولار وآتي هنا لتمضية سِنِي تقاعدي.