التـــرك: رحلة الألف عام
02/03/2005

تستضيف الأكاديمية الملكية للفنون في لندن معرضا ضخما للتراث التركي. عنوان المعرض هو: "الترك: رحلة الألف عام"، وهو مفتوح حتى أواسط نيسان/ أبريل. ويأخذ المعرض زواره في جولة خلال الحضارات المختلفة التي تكونت في أواسط آسيا. وسوف يرى في هذه الجولة مختلف الأمبراطوريات التي تعاقبت على تركيا. ويلقي المعرض ضوءا باهرا على التراث الفني التركي، كيف أثّر وتأثر بالثقافات المختلفة التي تصارع معها الأتراك وسيطروا عليها، عبر قارات مختلفة.

ويتألف المعرض من عشر قاعات مرتبة زمنيا وتشمل الفترة (600-1600). وتبدأ الرحلة في القرن السابع الميلادي، حيث الأصل البدوي، وتنتهي في فترة الإمبراطورية العثمانية. وهي أيضا تلقي الضوء على السلالات التركية التي حكمت المنطقة لألف عام، من السلاجقة، والتيموريين، والمغوليين، وأخيرا العثمانيين. وقد هيأت للزائر معلومات عن هذه الخلفية التاريخية التي تؤرخ لصعودهم وانهيارهم.

طريق الحرير

الخطوة الأولى في هذه الرحلة تبدأ مع طريق الحرير الذي يربط الشرق بالغرب.وقد استخدم التجار الصينيون الأوائل هذا الطريق لتوصيل بضائعهم إلى الأجزاء الأخرى من العالم. وقد أثرى هذا الطريق المنطقة بالتنوع جراء استعماله من قبل أقوام مختلفين. ولعب طريق الحرير دورا هاما في تشكيل المنطقة ثقافيا.

وقد عرضت الأديان المختلفة التي اعتنقها أهل المنطقة وطقوسهم في القاعات المختلفة. وهي تشمل البوذية وما تفرع منها، والديانات السماوية، مثل الإسلام والنصرانية. والديانة الغالبة في هذه الفترة هي الإسلام.

السلاجقة في إيران وتركيا

السلاجقة هم أول سلالة تركية حكمت المنطقة. وقد جاءت تسميتهم من جدهم المؤسس "سلجوق"، وكان قائدا للجيش في قبيلة الغوز. وقد اعتنق الإسلام في سنة 985 ميلادية. وامتدت إمبراطورية السلاجقة من الصين إلى البحر الأبيض المتوسط. واستطاعوا خلال فترة حكمهم من التغلب على البيزنطيين وحكم الأناضول. وهذا الفرع من السلالة قد عرف بـ"سلاجقة الأناضول". وبعد وصولهم إلى السلطة، بدأت هجرة القبائل الغزنوية إلى الأناضول. وقد ساهم ذلك في ولادة أنماط جديدة من الفن في المنطقة بسبب التعدد العرقي والثقافي. ونشأ تبادل فني وشعري كبير في المنطقة، فترى الفنانين والشعراء في انتقال مستمر بين إيران وسورية والأناضول في هذه الفترة. وأثرت هذه الحركة في مجال الأدب وأعمال المعادن والكاشي والسجاد.

وترى في إحدى القاعات مختلف المجموعات الفنية والأدبية والخطوط. وهناك مجموعة من القرائين التي كتبت بخطوط مختلفة. وهناك كتب للصوفية بلغات متعددة، منها العربية والفارسية.

وأحد الكتب المعروضة في هذه القاعة هو نسخة فارسية من "كليلة ودمنة"، كتاب الحكايات المشهورة. ولكن اهتمام الزوار قد انصب على "كتاب الملوك" الذي يعود إلى القرن العاشر، وهو بالفارسية. ويعتقد أن هذا الكتاب يحتوي على أطول قصيدة شعر في العالم.

ولم يتوقف الازدهار في هذه الفترة على الأعمال الفنية والشعر، بل هناك صناعة البلاطات والسيراميك والأشكال التي ترسم عليها. وهناك بلاطة في المعرض كتب عليها أبيات روحانية لمولانا جلال الدين الرومي. وموضوع العمل هو "دعوة إلى التعارف والوحدة بين البشر"، وقد كان ذلك بمثابة علاج مضاد للانقسامات التي حصلت يومذاك في الأناضول. وقد قام أتباعه فيما بعد بتشكيل الطريقة المولوية الصوفية.

وهناك صور مختلفة للحياة اليومية لأهالي المنطقة. وإحدى الصور هي عبارة عن قصة، موضوعها معروض في قصيدة كتبت على هامش الصورة. وهذا يعكس العلاقة بين الفن المرئي والأدب في ذلك الوقت.

السلالة التيمورية

تنتسب هذه السلالة إلى مؤسسها تيمور (1330-1405). ويعرف تيمور في الغرب باسم "تيمورلين"، وتاريخه الدموي معروف جدا. وكان عسكريا فضّا ولكنه استخدم الفن لأغراض عسكرية. وقد استفاد من المعماريين لخلق الشعور بالكيان الاجتماعي الموحد بين المسلمين الذين هم من أصول متنوعة، ومنهم الفرس والترك المغول. والمجموعة المعروضة في هذا الجناح تعطي صورة عن الطبيعة العسكرية للتيموريين، فهناك ملابس حرب معدنية وسيوف ولامات لتغطية الرؤوس. وقد عرضت هذه القطع في صناديق زجاجية. وكانت هناك صخرة كبيرة نقشت عليها قصة واحدة من حروب تيمور بحروف عربية. وتاريخ فنون تيمور ليس بعيدا عن طبيعته العسكرية، فهي تعكس طبيعته العنيفة والقاسية. لقد كان يستعبد أفضل الفنانين والمعماريين في أي مدينة يستولي عليها، ثم ينقلهم إلى عاصمته ليخدموه. ونفس هؤلاء الناس هم الذين بنوا سمرقند وجعلوها أعظم مدينة في زمانها.

وكانت الدولة التيمورية إمبراطورية واسعة تمتد من تركيا إلى الهند، ثم تقوض أمرها في آخر الأمر عام 1530.

الإمبراطورية العثمانية

وخصص الجناح الأخير لأعظم إمبراطورية تركية وهي الدولة العثمانية. وهناك عرض سريع لتاريخ السلالة العثمانية رافق بعض المواد الشخصية التي تعود للسلاطين، وصورهم، والكتابات الدينية والكتب أيضا. وركز العرض على ثلاث فترات رئيسية للإمبراطورية حيث يعتقد أنها كانت فترات ازدهار للفنون والآداب، وهي فترات حكم محمد الفاتح (1451-1480)، سليم الأول (1512-1520) وسليمان القانوني (1520-1566).

وفي مدخل القاعة تقف صورة السلطان محمد الفاتح الذي تفوق على سالفيه وأصبح قدوة لمن تلاه، وهو فاتح القسطنطينية. وأصبحت القسطنطينية، بعد فتحها، عاصمة الأمبراطورية وتغير اسمها إلى إسطنبول.

وقد عاش في إسطنبول ناس من أقوام متعددة عرقيا ودينيا. ولعب تدفقهم عليها دورا في خلق مجتمع تعددي، وله فن يميزه، وهو بدوره ناتج عن هذه التعددية. وقد عاش المسلمون واليهود والمسيحيون والأوروبيون في انسجام في هذه المدينة. وأثر هذا الخليط من البشر في الفن العثماني، ولكنه لم يغير هويته المميزة التي يمكن ملاحظتها من خلال هذا الجناح.

وانتعش الفن في فترة حكم محمد الفاتح. وطبعت الكتب بمختلف اللغات: العربية، الفارسية، اليونانية، اللاتينية والتركية العثمانية. وأكثر المعروضات في هذا الجناح له لمسات إسلامية. وهناك أيضا بعض ملابس السلطان، ومجموعة جميلة من المجوهرات.

وهذا المعرض هو من المناسبات النادرة التي تفتح أفق الإنسان وتعرفه على التراث الإسلامي في العصور الوسطى. ويتعرف الزائر في أثنائها على الغريب والمدهش في هذه الرحلة إلى أرض الأتراك.