بغداد - د. جمال Øسين 5/8/2005
يشبهون الطيور الباØثة عن عش والغصن المتناسق مع أزرار الشجر ÙˆÙØ±Ø Ø§Ù„Ø±Ø¬Ù„ الذي لم ير طائرة Øقيقية والمرأة التي لم تضØÙƒ منذ ثلاثين سنة. ولأن لكل شيء سببا، Ùالصي٠هذه الأيام ÙÙŠ العراق يتسلق على كل الأØياء الذين لم يبخلوا بطريقة لمجابهته إلا ÙˆÙعلوها ÙƒØالة الأعمى ÙÙŠ الليل والخيار ما بين القار والنار والمبلل الذي لا يخا٠المطر.
وهذا الزمان الÙاتك والصي٠الظالم والتوقعات غير العادلة، جعلتهم طيورا تبØØ« عن عش Ù‘ على قدهم وبمستوى مناقيرهم ورÙرÙØ© أجنØتهم وتدريب ريشهم على التØليق.
والسÙر لمن تكدس ÙÙŠ جو٠نÙÙ‚ مغلق من الجهتين، دÙÙ‚ نور وناÙذة مضاءة وأخاديد هواء وأÙكار تÙØªØ Ø¨Ù„ÙˆØ²ØªÙ‡Ø§ Ù„Ù„Ø±ÙŠØ ÙˆÙرصة نشر الشراع المطوي منذ عقود.
السÙر للعراقيين منديل ووثبة ومقاومة وجهاد ونسيم وهدوء بعد تعب، علامته ازدهار شوارع جديدة وجلي ذاكرة كادت تصدأ بالرتابة وعنق بدأ ينمو ليطل على ما يجري ÙÙŠ العالم، للبشر خارج العراق وكي٠يعيشون ويبدون ويلبسون ويتØدثون وكي٠يروون الØكاية من بدئها إلى منتهاها وماذا يعني أن يسلب عمرك ÙˆÙيه الخلايا كلها Øية وكي٠هي الشوارع Øين تكتظ بالناس الآمنين وتعج بالذين يلبسون كما يشتهون ويطبخون متى يجوعون ويخلدون Øين يشاءون.
كل شيء تغير إلا Øال العراقيين الذين يعيشون اللØظة بكل ما Ùيها من طول وتÙاصيل وإن يمسك Ø£Øدهم التذكرة ويلامس خشونة الجواز، يصرّ عليه الليل بإغراء الجدار الآخذ بالتشقق ليلعن سنوات الرقاد بلا أمل وينثر رغباته ÙÙŠ الØقائب العتيقة المثقلة بالغبار ÙˆØ±ÙˆØ§Ø¦Ø Ø¯ÙˆØ§Ù„ÙŠØ¨ الÙتوة وصهوات خيول ظهرت براعمها أجنØØ© منشورة على بلاد البساط السØري الذي Ù„ÙÙ‘ العالم بصØÙˆ النسر وتسمر الصقر وخرير الأنÙاس المØققة أمانيها بعد انتظار طويل، طويل.
ليطيروا ويمخروا ويهيموا ويسيروا ÙÙŠ مناكبها للزيارة والتسوق، للعلاج والشÙاء، لملاقاة وجه الولد الغائب سنين جائرة شيبت Ùؤاده قبل شعره. ليطلقوا سيقان الغزلان ÙÙŠ كل الاتجاهات طالما لا تتØرك موجتهم ولا جواب لديهم لأي سؤال والجديد الذي خطـّوه دما، لم يبدأ بعد.
استثناء
لا يدرس هذا التØقيق Øالات سÙر المضطرين، أي أولئك الذين أجبرتهم الظرو٠على " ترك العراق " لوقت لا يعلمونه وهم Øسب التاريخ والأسباب رعيل الهجرة العراقية الأولى من يساريين وقوميين هربوا من بطش الØكم البعثي الأول والهجرة الثانية المكونة من اليساريين والإسلاميين والكرد الذي Ø£Ùلتوا من قمع الØكم البعثي الثاني والهجرة الثالثة التي أعقبت انتهاء الØرب مع إيران وإطلاق السÙر لغاية غزو الكويت والهجرة الرابعة الأكثر سعة من ناØية العدد التي تلت انتÙاضة 1991 والهجرة الخامسة التي امتدت طوال التسعينات لغاية سقوط النظام بسبب الØصار وسوء الأØوال المعيشية والهجرة السادسة التي شكلها ÙÙŠ البداية المطلوبون من عناصر النظام ومن ثم التØÙ‚ بهم المهددون بالخط٠كالأطباء والعلماء والتجار والأغنياء بشكل عام وبعض شبان الطبقة الوسطى ممن أكملوا تعليما جيدا ولم ÙŠØصلوا على Ùرص عمل مناسبة ÙÙŠ الداخل ومجموعات كبيرة خرجت على بكرة عائلاتها من الطبقة Ù†Ùسها بعد أن باعت كل ما تملك ÙÙŠ البلاد لكي توÙر لها أجواء أكثر أمنا وهدوءا وغالبيتهم ينØدرون من المدن «المتمردة» التي وجدوا المعيشة ÙÙŠ دمشق أو Øلب أو عمان أكثر جدوى من الناØية الاقتصادية والأمنية من بغداد.
الهجرات الست المذكورة كونت «المجتمعات العراقية» ÙÙŠ الخارج أو ما يطلقون عليها «الجاليات» وليس لها علاقة بموضوعنا الراهن وإن كانت ترتبط به، Ùقط، بقدر تعلق وضعها بسÙر العراقيين الذين قرروا العودة، أي أولئك الذين يساÙرون بشكل مؤقت وخاصة ÙÙŠ الصيÙØŒ يدÙعهم اختيار هذا الÙصل، عامل ارتباط العائلة بالعمل والأولاد بالمدارس والجامعات.
تكاثر شركات السياØØ©
أوقات النظام السابق كانت هناك مؤسسة ÙˆØيدة تهتم بالمسائل المتعلقة بالسياØØ© كل هيكلها أمني واسمها: الهيئة العامة للسياØØ©. وكانت تشر٠على السياØØ© ÙˆØ§Ù„Ø³ÙŠØ§Ø ÙÙŠ الداخل وتØدد وجهات Ø§Ù„Ø³ÙŠØ§Ø Ø§Ù„Ø¹Ø±Ø§Ù‚ÙŠÙŠÙ† إلى الخارج. وكانت ØªÙ…Ù†Ø ØªØ®ÙˆÙŠÙ„ أو إجازة لشركات Ù…Øدودة للغاية كل أصØابها منهم ÙˆÙيهم لتسيير أمور الرØلات السياØية من وإلى العراق بما ÙÙŠ ذلك السياØØ© الدينية وزيارة المراقد والمعالم الأثرية.
ألغيت هذه الهيئة لأنها جهاز يتبع للمخابرات العراقية وإن كانت تتبع شكليا لوزارة الإعلام التي ألغيت بكل مؤسساتها هي الأخرى. وخلق هذا الÙراغ Ùوضى منطقية ÙÙŠ ما يمكن أن نبالغ ÙÙŠ تسميته «سوق السياØة» ÙÙŠ العراق.
بعد أكثر من سنة من السقوط، لملم خبراء هذا المجال وأولئك الذين يمتلكون باعا أو أسطولا من سيارات نقل المساÙرين إلى الخارج ومن البعض الذين أتاØت لهم المعيشة ÙÙŠ الأردن وسوريا وإيران إقامة علاقات هناك وربطها بالداخل، الأمر الذي Ùجـّر وتناثرت نتائج هذا التÙجير مكونة مكاتب ÙÙŠ كل سوق عراقي تطلق على Ù†Ùسها شركات سياØية.
هناك الشركات التي تملك عددا من السيارات أو تتÙÙ‚ مع أصØابها لتنقل المساÙرين إلى البلدان المذكورة، وثمة شركات وهمية أقامها موظÙون كبار ÙÙŠ وزارة المواصلات الذين وضعوا أيديهم على الأسطول البري العراقي الضخم الذي كان يعوض موانئ العراق المغلقة ومطاراته الممنوعة وزد عليهم الموظÙون الكبار أيضا ÙÙŠ الخطوط الجوية العراقية الذين يعملون صباØا ÙÙŠ «العراقية» ومساء ÙÙŠ شركاتهم الخاصة.
لم يضر Ø£Øد انتشار شركات السياØØ© ÙÙŠ العراق كما ÙŠÙعل البعوض الآن بالناس، لكنها Ùوضى ÙÙŠ كل الأØوال تتبعها مشقة الاختيار واØتمال الاØتيال ÙˆÙقدان ما كنزه الناس ليوم يرومون Ùيه رؤية ما يجري ÙÙŠ الطر٠الآخر من الدنيا.
سÙرة العمر
كلهم يبشرون، كما ترون ÙÙŠ الصورة، بسÙرات العمر والاستمتاع بأجواء شرم الشيخ ونسيم أنطاليا التركية وزØام اسطنبول وبضاعتها الرخيصة وعمق الإسكندرية وأناسها الØاذقين وبهرجة أبراج دبي وغيرها من مدن كان العراقيون يسمعون بها ÙØسب.
الكريه ÙÙŠ قصة شركات السياØØ© الكثيرة جدا، أن المواطن العادي لا يستطيع التÙريق Ùيها ما بين الواقع والØلم والوعود والتطبيق. Ùمثلا، ÙŠÙرضون عليك دÙع نص٠الأجرة مقدما ليØددوا Ùيما بعد موعد السÙر. ÙÙŠ النتيجة لا تسلم على نص٠الأجرة ولا على جوازك الذي يأخذونه لكي يلصقوا لك الÙيزا.
الطري٠ÙÙŠ كثرة دكاكين السياØØ© ÙÙŠ العراق أن Ù…Øلات Øلاقة وباعة أقراص وتسجيلات غنائية يعلقون على واجهة Ù…Øلاتهم إعلانات صريØØ© ومباشرة ومÙهومة وكبيرة وبالعربي نص٠الÙصيØ: «Ùيزا إلى دبي» أو «Ùيزا كندية»!
والغريب ليس ÙÙŠ الØلاق الذي يستطيع الØصول على Ùيزا دبي ولا ÙÙŠ الآخر الذي يمنØÙƒ البساط السØري إلى كندا، بل إن كل شيء يجري ÙÙŠ العلن ولا يهتم Ø£Øد من رعاة القانون ÙÙŠ مساءلة هؤلاء، وربما كان Øماة القانون أصØاب Ù…Øلات الØلاقة وغيرها من المبشرين بالجنة وربما تنتهي الØكاية بأكثر إثارة عندما يستطيع Ùعلا الØلاق Ù…Ù†Ø Ø§Ù„Ù…Ø³Ø¤ÙˆÙ„ÙŠÙ† عن الأمن Ùيزا إلى هذا البلد أو ذاك.
المساÙرون
تزدØÙ… شركات السياØØ© ÙÙŠ منطقة العلاوي وسط بغداد منذ السادسة صباØا وهو الوقت المثالي لانطلاق الØاÙلات إلى «دول الجوار» القريب بالمودعين والمساÙرين.
وليس غير الأرق والØر الشديد من مكننا من تصويرهم Ùجرا ليØدثنا نجيب إبراهيم عن وجهته قائلا إن صاØب «الØملة» (المجموعة السياØية) Ø£Øد معارÙÙ‡ ولم يتقاض أكثر من 200 دولار ذهابا وإيابا إلى دمشق بما ÙÙŠ ذلك إقامة أسبوع ÙÙŠ شقة بالقرب من «الÙاطميات» مقابل «Øوزة الإمام الخميني».
يعر٠نجيب أن هذا المكان تØول إلى «مدينة عراقية» Øيث يسكنه أكثر من 250 أل٠عراقي لكونه شعبيا وبيوته رخيصة وقريبا من السيدة زينب Øيث يرغب العراقيون بزيارتها والتبرك عندها.
أما سØر Ùقد كانت منشغلة بتوديع صديقتها أو قريبتها وعينها على والدتها Øالما شرØت بÙØ±Ø ÙˆØ§Ø¶Ø Ø³Ø¨Ø¨ زيارتها إلى سوريا وارتباكها الجميل بأن اليوم قد Øان لرؤية شقيقها الذي غادرهم بينما كانت صغيرة لا تتذكر ملامØÙ‡ ولم تتعر٠عليه إلا بالصور وبالهاتÙ. وقالت أنهم Ùضلوا دمشق لأنهم يخاÙون عليه وعلى عائلته وأغلبهم أطÙال لم يروا العراق أبدا، ÙÙضل الجميع قطع منتص٠الطريق واللقاء ÙÙŠ دمشق.
ثمة آباء يساÙرون لزيارة أولادهم ÙÙŠ سوريا أو الأردن وهي Ø¥Ùلات الكثير من العصاÙير من Øجر واØد، Ùهم يزورون أبناءهم ولا يعيقونهم من قطع أعمالهم وتØمل مخاطر الدخول إلى العراق ÙˆÙÙŠ الوقت Ù†Ùسه يعدونها «سÙرة سياØية».
إذن، العراقيون يساÙرون للسياØØ© وإن كان السبب المعلن ليس سياØيا، ويقبلون على السÙر بإعداد هائلة قد تصل إلى بضعة آلا٠ÙÙŠ اليوم كما قال سائق Ù…Øتر٠من خل٠مقوده الجاهز للانطلاق : لا مجال لدينا للراØØ© ولا يوم واØد لكثرة المساÙرين.
سÙرات دينية
يهتم العراقيون ولاسيما ÙÙŠ الجنوب بزيارة الإمام الرضا ÙÙŠ إيران وخاصة أنهم Øرموا من هذه الÙرصة لأسباب تكرر ذكرها كثيرا. ÙˆÙÙŠ الجنوب العراقي تØديدا تنشط شركات السياØØ© ÙÙŠ هذا المجال Ùقط. ويلاØظ رخص ثمن الذهاب والإياب والإقامة هناك، Øيث لا يتجاوز مائتي دولار للشخص الواØد.
أما سÙرات أداء العمرة ÙتØظى بإقبال شديد لدى العراقيين الذين تجاوزوا الخمسين ويعدون لها ما استطاعوا سبيلا ويعتمد الأمر على العدد Ø§Ù„Ù…Ø³Ù…ÙˆØ Ù„Ù‡ بالسÙر والذي تØدده عادة السلطات السعودية باتÙاقات مسبقة مع أصØاب الØملات المعروÙين للطرÙين.
سÙرات خاصة
لمن يتمكن من معالجة مريضه ÙÙŠ الخارج، يعتبر هذا سببا للسÙر Ø§Ù„Ù…ØªØ§Ø Ø§Ù„Ø¢Ù† بكل Øرية، وتعد هذه الØالات Ù…Øدودة مع انتشارها وسط الميسورين. وهناك السÙر المستمر لرجال الأعمال ومساعديهم والموÙدين ودورات التدريب وغيرهم من الØكوميين الذين لا يملون من السÙر. ونظم الأمريكان العديد من السÙرات لمن يختارونهم والذين عملوا معهم أو ساعدوهم ÙÙŠ مجالات عديدة كالمترجمين والموظÙين ومديري المكاتب والمترجمين والسكرتارية المØترÙين والعسكريين ÙÙŠ الداخلية والدÙاع. ومهما كانت أسباب هذه السÙرات التي تندرج ÙÙŠ إطار التدريب واكتساب الخبرة عادة، Ùإنها تعد سÙرات سياØية، ÙƒØال مئات الرياضيين العراقيين الذين أوÙدوهم إلى لبنان للتدريب ÙˆÙÙŠ النتيجة لم يتدرب Ø£Øد منهم على شيء، بل قيل إن مدربيهم اللبنانيين بÙضلهم يتكلمون عراقي الآن!
الطيران أخيرا
بغض النظر عن المطار الذي تØدثوا عنه كثيرا والذي تكÙلت إيران بإنشائه ÙÙŠ النج٠ليشر٠على الرØلات الدينية للزائرين الإيرانيين، وتلك الوعود المتكررة بÙØªØ Ù…Ø·Ø§Ø± البصرة أمام «الرØلات الدولية»، Ùإن مطاري بغداد وأربيل ينشطان بما Ùيه الكÙاية لتلبية Øاجات المساÙرين الذين يرغبون السÙر جوا من وإلى العراق.
Ùهناك رØلتان جويتان أسبوعيا من دبي إلى بغداد ذهابا وإيابا تتكÙÙ„ بهما شركات خاصة، Ùيما الطريق الجوي لا يزال سالكا بين بغداد من جهة وعمان ودمشق من جهة أخرى.
لكن الغالبية العظمى من العراقيين ÙŠÙضلون السÙر برا لسببين ثالثهما الخو٠من الطائرة على Ø§Ù„Ø£Ø±Ø¬Ø ÙˆÙ‡Ù…Ø§: خطورة طريق المطار وارتÙاع أجرة تذكرة السÙر التي تعادل 700 دولار (براً أقل من 100 دولار)ØŒ وهذا الÙرق يعتبر كثيرا بالنسبة للعراقيين ذوي الدخل المØدود.
والبواخر مخرت
وتنطلق يوميا تقريبا البواخر العراقية والإماراتية لنقل البضائع والمساÙرين وللاثنين ÙÙŠ الكثير من الأØيان من أم قصر البصرية إلى ميناء جبل علي. ومن المنطقي أن ÙŠÙضل البصريون وبعض الجنوبيين سلوك هذا الخط البØري على سواه لقربه ورخص التذكرة على الباخرة التي لا تتجاوز 30 دولارا للشخص الواØد وقد يدÙع الÙضول البعض لتجربة سÙرة بØرية مع منام لليلة واØدة تجد Ùيها Ù†Ùسك ÙÙŠ دبي بلا مخاطر المطارات والطرق البرية الملغومة. |