رحلة علمية تطبيقية في المدن التاريخية اليمنية
02/09/2005

صنعاء- خالد الضبابي

الرفيق قبل الطريق. كان هذا هو السبب الذي جعل الهيئة الإدارية للمعهد الوطني للفندقة والسياحة بصنعاء تصرّ على مشاركة مجلة "السياحة الإسلامية" في الرحلة العلمية التطبيقية التي شملت زيارة معظم مناطق الجمهورية اليمنية ولمدة أسبوع كامل.

نظمت الرحلة من قبل إحدى شركات السياحة الناجحة في اليمن والتي بذلت جهدا لا بأس به في توفير سيارات نظيفة من نوع لاند كروزر، والتي كان عددها ثمان سيارات، حملت على متنها ثلاثين مدرسا ومختصا في المجال الفندقي والسياحي، وهم في الحقيقة أعضاء الكادر الفني العاملين في المعهد الوطني للفندقة والسياحة بصنعاء، وكذلك الهيئة الإدارية القائمة على هذا المعهد. ومولت الرحلة من قبل الاتحاد الأوربي الذي كان له الدور البارز في إنشاء هذا المعهد النوعي في العاصمة صنعاء.

كان الهدف من الرحلة هو تعريف هذه النخبة من المختصين في مجال التدريب السياحي بأهم المعالم السياحية والتاريخية في خمس محافظات يمنية، وذلك بغرض إكساب المشاركين في الرحلة بالخبرة اللازمة في مجال السياحة والفندقة. الجميل في الرحلة هو أن كل مشارك فيها خصص له مَعلَم تاريخي ليتحدث عنه، الأمر الذي جعل المشاركين في الرحلة يتنافسون، وبشدة، على تقديم الأفضل، بينما يقوم السيد كاى بارتله الخبير الأوروبي الاستشاري لهذا المعهد والذي شارك بفاعلية في الرحلة بدور التصوير والتسجيل وذلك بغرض التقييم.

مأرب

بدأ البرنامج يأخذ مجراه في صبيحة يوم السبت الموافق 3/5/2005م، وكانت البداية من العاصمة صنعاء، ففي الساعة الثامنة والنصف من صباح هذا اليوم بدأت السيارات بالتحرك باتجاه مدينة مأرب والتي تبعد عن مدينة صنعاء بحوالي 172كم باتجاه الشرق. وكانت درجة الحرارة مرتفعه جدا، ولكن عظمة هذه المدينة التاريخية وأهميتها في تاريخ اليمن القديم جعلنا لا نأبه لحالة الطقس فيها، حيث أخذنا بالتأمل مليا في مدينة مأرب القديمة (أرض الجنتين) وسدها العظيم (سد مأرب) الذي شغل ذاكرة العالم منذ القدم، وكذلك محرم الملكة بلقيس (معبد اوام) وعرشها (معبد بران).

شبوة

أما في اليوم الثاني فكان برنامج الرحلة معدَّا لزيارة مدينة شبوة. وقد كان خروجنا من مدينة مأرب في الصباح الباكر وذلك بغرض تجنب درجة حرارة الشمس المرتفعة. وهكذا بدأنا رحلتنا في هذا اليوم باختراق صحراء الربع الخالي، مرورا برملة السبعتين، حيث تشعر بالمتعة وأنت تشاهد على يمينك ويسارك تلك الكثبان الرملية ومناظرها وأشكالها وتحركها أحيانا، الأمر الذي أجبر سائقي سياراتنا على التوقف مرارا وتكرارا، وأحيانا يتنافسون فيما بينهم على صعود بعض من هذه الكثبان الرملية، فكانت رحلة هذا اليوم أشبة بسياحة المغامرات، حيث تشعر بالاندهاش وأنت تلاحظهم ينزلون بسياراتهم من أمكنة مرتفعة من الكثبان الرملية. وهكذا سرنا لمدة ست ساعات تقريبا في الصحراء، حتى وصلنا إلى مدينة شبوة التاريخية، وفيها بقايا أطلال مباني مدينة شبوة القديمة والتي كانت عاصمة مملكة حضرموت.

وجاء دور أحد المشاركين في الرحلة ليحدثنا، فوقفنا منصتين إليه وهو يتحدث عن دور هذه المدينة قديما، باعتبارها مركزا هاما لتجمع القوافل التجارية القديمة. وقد ظل موقعها مجهولا لوقت طويل لدى الرحالة الأوربيون إلى أن تعرف عليها فليبي سنة 1936م، ثم أجرى هامليتون بعده بعض الاستكشافات سنة 1938م، كما أجرت البعثة الفرنسية برئاسة جاكلين بيرين، ثم برئاسة جان فرانسو بريتون، عمليات تنقيب عديدة من (1974- 1987م).

اتجهنا بعدها مباشرة إلى زيارة مناجم استخراج الملح. وهكذا أنهينا برنامج زيارة مدينة شبوة بالمرور عبر خط الصحراء باتجاه مدينة حضرموت حيث تناولنا غدائنا في إحدى المطاعم الشعبية الواقعة على الطريق الإسفلتي المؤدية إلى مدينة سيئون. وكانت وجبة الغداء في هذا اليوم عبارة عن وجبة شهية مكونة من أطباق الرز مع لحم الجمال المجمرة (قطع صغيرة من لحوم الجمال توضع على الجمر بعد تغطيتها بالبهارات والزيوت) وهي وجبة غذائية لذيذة جدا تشتهر بإعدادها هذه المناطق.

شبام

وبعد تناول وجبة الغداء اتجهنا مباشرة نحو مدينة شبام حضرموت وهي مدينة عريقة يعود تاريخها إلى القرن الثالث قبل الميلاد. منازلها مبنية من الطين وترتفع مبانيها تقريبا إلى ثمانية طوابق. وهي تعتبر من أولى ناطحات السحاب في العالم. وبعد أن تجولنا بين أزقتها المتعددة، واستمتعنا بمناظر منازلها المترابطة مع بعضها البعض، كان من المقرر علينا الذهاب إلى مكان إقامتنا في أحد الفنادق الواقعة في مدينة سيئون، وخصوصا وأن الكثير من أفراد الرحلة يشعرون بالتعب والإعياء الشديد في هذا اليوم. وكان السبب في ذلك هو طول المسافة التي قطعناها ابتداء من مأرب مرورا بشبوة، ومن ثم سيئون، وهي مسافة تقارب 800كم تقريبا.

وفي صبيحة يوم الاثنين وبعد تناول وجبة الإفطار في الفندق اتجهنا مباشرة إلى زيارة المواقع السياحية والتاريخية التي تشتهر بها مدينة سيئون، وهي مدينة جميلة تشتهر بزراعة النخيل، وتتبع إداريا محافظة حضرموت. وتعرفنا في هذه المدينة على إحدى القصور الشامخة والشهيرة فيها، ويسمى "قصر السلطان". وكان أبرز ما شاهدناه فية النمط المعماري الفريد. واستمعنا هناك لشرح مبسط من مرشدنا السياحي حول تاريخ هذا القصر. ويمثل هذا القصر معلما سياحيا هاما للسياحة اليمنية، ويبدو ذلك من مشاهدة الكثير من السياح الذين جاؤوا يزورون هذا المكان.

تريم

وبعد الانتهاء من زيارة هذا القصر، كان اتجاهنا مباشرة نحو مدينة تريم. وتعرفنا على أهم المعالم السياحية فيها كمسجد ومنارة المحضار التي يعود تاريخ بنائها إلى 1915م ويبلغ ارتفاعها 125 قدما، وكذلك زيارة قصور الكاف، وزيارة خاصة لمكتبة الاحقاف، وهي ثاني أكبر المكتبات في اليمن، وفيها ما يقارب خمسة آلاف مخطوطة، لكتب الفقه والسنة والقرآن الكريم واللغة العربية وغيرها.

المكلا

وفي اليوم الرابع من برنامج الرحلة كان الاتجاه نحو مدينة المكلا. والمسافة من مدينة سيئون إلى المكلا تصل تقريبا إلى 223كم. وعرجنا خلال رحلتنا إلى المكلا على العديد من القرى والوديان الواقعة على امتداد وادي حضرموت، عبر خط ترابي متعرج في أغلب الأحيان، أهمها قرية الهجرين، وصيف، وبضة، والخريبة، ووادي رحاب الجميل. ومن ثم قفلنا راجعين باتجاة مدينة المكلا حيث وصلنا إليها عند غروب الشمس. وفي المساء، وبصحبة مرشد الرحلة، قمنا بجولة ليلية في شوارع وأزقة وأسواق هذه المدينة الحالمة الواقعة على شريط ساحلي على بحر العرب، وهي تشهد حاليا نموا وازدهارا في المجال السياحي.

عدن

أما في اليوم الخامس من برنامج الرحلة فقد كان اتجاهنا نحو مدينة عدن، عبر خط إسفلتي ساحلي يربط بين مدينة المكلا وعدن، بطول 680كم تقريبا. والمسافة هذه ليست قليلة، فقد استغرقت الرحلة بين هاتين المدينتين عشر ساعات تقريبا. وتعرفنا خلال الطريق على محمية لحاف، وهي بحيرة كبيرة تقع بالقرب من منطقة بئر علي على الساحل. ومن ثم عرجنا إلى منطقة بئر علي ( وهو ميناء قنا القديم الواقع على شاطئ بحر العرب، وهو ميناء نال شهرته قديما كميناء رئيسي كان يصدر منه اللبان والبخور إلى دول العالم ). وبعد أن انتهينا من زيارة الميناء واصلنا طريقنا نحو مدينة عدن، حيث وصلنا إليها بعد المغرب تقريبا، فكان اتجاهنا مباشرة إلى مكان مبيتنا في أحد الفنادق في مدينة عدن.

وفي الصباح الباكر خُصِّص وقتتا لزيارة أهم المعالم السياحية التي تشتهر بها مدينة عدن، كزيارة صهاريج الطويلة، ومن ثم جامع العيدروس، وبعدها منارة عدن، بالإضافة إلى زيارة هامة لأحد الفنادق في مدينة عدن، حيث كان استقبالنا من قبل مدير الفندق الذي طاف بنا بغرف وأجنحة وأقسام الفندق المختلفة. وكان الهدف من ذلك هو تعريف المشاركين في الرحلة بالمهام التي تؤديها الفنادق وذلك بغرض إكسابهم الخبرة العملية اللازمة في العمل الفندقي.

إب

وبعد الانتهاء من زيارة هذا الفندق اتجهنا مباشرة لمغادرة مدينة عدن باتجاه مدينة إب المعروفة باسم "اللواء الأخضر"، حيث وصلناها ظهرا، وتعرفنا فيها على مدينة جبلة التاريخية، وأهم المواقع السياحية الموجودة فيها خصوصا الآثار الإسلامية. عدنا بعدها لتناول وجبة الغداء في أحد مطاعم مدينة إب. وهكذا أنهينا برنامج هذه الرحلة بمجرد خروجنا من مدينة إب باتجاه نقطة البداية أو بالأحرى نقطة الانطلاق نحو العاصمة صنعاء.