البصرة مـديـنـة ســاكـناهــا الـبحـر والـقـمـر
15/09/2005

البصرة - رؤيا الغالب:

البصرة الأرض الطيبة والماء العذب الوفير الغنية بالتمور والنفط هي ثغر العراق الذي يزدان بالأشرعة والبواخر تتحفز لاستعادة مجدها التليد وتنزع عنها رداء الخمول وهي بعد ذلك المعروفة بأهلها الطيبين قد تميزت بأعاجيب الماء الذي يعلو مداً وينحسر جزرا على مر الأيام والسنين.

قال الجاحظ: إن في البصرة ثلاث اعجوبات ليست في غيرها من البلدان.. الأولى إن عدد المد والجزر في جميع الدهر واحد فيقبل عند حاجتهم إليه ويرتد عند استغنائهم عنه ثم لا يبطىء عنها إلا بقدر هضمها واستمرائها وجماحها واستراحتها لا يقتلها عطشاً ولا عزقا ولا يغبها ظمأ ولا عطشا يجيء على حساب معلوم وتدبير منظوم وحدود ثابتة وعادة قائمة يزيدها القمر في امتلائه كما يزيدها في نقصانه فهي اية واعجوبة ومفخرة واحدوثة وذلك ان دجلة والفرات يختلطان أمام القرنة ويصيران نهرا عظيما يسمى شط العرب يجري من ناحية الشمال إلى ناحية الجنوب في الفاو وانحداره هذا يسمى جزرا ثم يرجع من الجنوب إلى الشمال ويملأ جميع الأنهر المتصلة بشط العرب ويسمونه (مداً) يفعل ذلك في كل يوم وليلة مرتين فإذا اجزر نقص نقصانا كثيرا بحيث لو قيس الذي نقص لكان مقدار ما يبقى أو أكثر وليست زيادته متناسبة بل يزيد في أول كل شهر قمري ووسطه أكثر من سائرة وذاك إذا انتهى في أول الشهر القمري إلى غايته في الزيادة وسقى المواضع العالية والأراضي القاضية اخذ يمد كل يوم وليلة انقص من الذي قبله وينتهي غاية نقص زيادته في آخر يوم من الأسبوع الأول من الشهر القمري ثم يمد في كل يوم أكثر من مده في اليوم الذي قبله حتى ينتهي غاية زيادة مرة في نصف الشهر ثم يأخذ النقص إلى آخر الأسبوع ثم في الزيادة في آخر الشهر هكذا ابداً لا يختلف ولا يحل بهذا القانون ولا يتغير عن هذا الاستمرار.

إما الأعجوبة الثانية والقول للجاحظ ادعاء أهل انطاكية وأهل حمص وجميع بلاد الفراعنة معرفتهم بالطلسمات وهي بدون مالاهل البصرة وذاك إن لو التمست في جميع بيادرها وربطها المعوذة وغيرها على نخلها وفي جميع معاصر دبسها إن تصيب ذبابة واحدة لما وجدتها إلا في ما انفرط أو تمرة منبوذة دون المسماة لما استبقتها من كثرة الربان.

والأعجوبة الثالثة إن الغربان القواطع في الخريف يجيء منها ما يسود جميع نخل البصرة وأشجارها حتى لا يرى غصن واحد إلا وقد تأطر بكثرة ما عليه ولا كربة غليظة إلا وقد كادت إن تندق لكثرة ما ركبها منها ثم لم يوجد في جميع الدهر غراب واحد ساقط إلا على نخلة مصرومة ولم يبق منها غدق واحد ومناقير الغربان معاول وتمر الاعذاق في ذلك إلا بان تكون غير متماسكة فلو أبقاها الله  تعالى ولم يمسكها بلطفه لاكتفى كل عذق منها بنقرة واحدة ولم يبق عليها إلا اليسير ثم هي في ذلك تنتظر إن تصدم فإذا أتى الصرام على اخرها عذقا رأيتها سوداء ثم تخللت أصول الكرب فلا تدع حشفة إلا استخرجتها فسبحان من قدر لهم ذلك واراهم هذه الأعجوبة.

إن المد والجزر في البصرة ميزة عظيمة وان الذباب فيها لا يحط على التمر المنفرط أو المنبوذ أو المعصور وان الغراب ينتقي الحشف فينفره وتسلم من أذاه التمرة الصالحة وليست هذه الأعاجيب الثلاث فقط في البصرة فهي المدينة الساحرة التي تحظى بخيال السياح ونكهة الضيافة والحكايات العجيبة.