السياحة العلاجية العربية في ألمانيا
11/01/2006

ماينز-د.علاء الحمارنة

أخذت السياحة العلاجية تحتل مكانة مهمة في السياحة العالمية. ويصف الاسم "السياحة العلاجية" صناعة نامية حيث يسافر الناس من مختلف أنحاء العالم إلى أقطار أخرى للحصول على العلاج الطبي، وعلاج الأسنان والتدخل الجراحي، وهم في نفس الوقت يكتشفون المواقع الجذابة في الأقطار التي يزورونها.

والزيادة في شعبية هذه السياحة وجاذبيتها له أسباب عديدة، منها: أولا: زيادة كلفة العلاج في البلدان الصناعية وفي أخرى غيرها. ثانيا: الزيادة السريعة والمستمرة في تطوير تكنولوجيا العلاج. ثالثا: التدني في مستوى العلاج والنقص في البنية التحتية الحديثة في العديد من الدول النامية. والسهولة والكلفة المعقولة للسفر العالمي بالنسبة لأعداد كبيرة من الناس والانتقال السريع للمعلومات لعبت دورا رئيسيا في ازدهار السياحة العلاجية. وبالأحرى أن السياحة العلاجية هي نشاط اقليمي، فمن جهة أن بلدانا مثل هنغاريا وجمهورية التشيك تجذب السياح الطبيين من ألمانيا والنمسا الذين يرغبون في دفع كلفة أقل لطب الأسنان وعمليات التجميل. ومن جهة أخرى، فإن الأردن وتونس تجذبان السياح الطبيين العرب بالنظر لمستويات العلاج الراقية فيهما. وتلعب اللغة والتراث والقيم الاجتماعية دورا مهما في السياحة العلاجية البينية.

وكانت أمريكا تجذب السياح الطبيين العرب، خصوصا من أقطار الخليج العربي، ولكن الوضع تغير تماما بعد هجومات نيويورك 2001. والتقييدات التي تفرض على التأشيرة، بالإضافة إلى المشاعر المعادية للعرب والمسلمين في بعض الأحيان، تؤثران بشكل كبير في عدد السياح العرب بشكل عام. ويقدر المراقبون أن العوائد الأمريكية من السياحة العلاجية قد تقلص في عامي 2002 و2003 بمقدار النصف عن مستواه السابق الذي بلغ 1.4 مليار دولار أمريكي في عام 2000. وهذا يعني أن العلاجات التي تقدر بنحو 700 مليون دولار سنويا هي إما لم تجر أو أنها تحولت إلى خارج أمريكا. وتظهر الحقائق أن هذا النقص الحاد مرتبط بشكل وثيق بالنقص في عدد المرضى من الدول العربية والإسلامية.

وفي المقابل، تجذب ألمانيا أعدادا متزايدة من السياح الطبيين العرب. وهذا التطور هو جزء من التحسن العام في العلاقات الاقتصادية والسياسية بين ألمانيا والدول العربية. وقد ازدادت صورة ألمانيا تحسنا جراء موقفها الرافض للحرب خلال الأزمة العراقية الأخيرة. ولا تنس أن "صنع في ألمانيا" كانت دائما رمز وضمان النوعية العالية في العالم العربي.

وتعتمد السياحة العلاجية في ألمانيا على نوعية العلاجات الطبية التي تتضمن مراكز الأبحاث، والمستشفيات المريحة، والتكنولوجيا المتطورة، والنوعية العالية للعاملين في الطب. وهناك شبكة راسخة من الوكالات التي تقدم خدمات البنية التحتية للسياح الطبيين. وتقوم هذه الوكالات بتوفير تأشيرة الدخول وخدمات النقل والترجمة والعلاج الشامل وقضايا الحسابات والتأمين وخدمات حماية الأفراد المهمين، بالإضافة إلى الخدمات السياحية المعتادة. وتوجد هذه الوكالات في عموم البلاد، وبعضها، مثل جيرمان كير (الخدمة الألمانية)، ومقرها برلين، قد طورت موقعا ألكترونيا بالعربية وعينت لها ممثلين في العالم العربي.

إن الترويج لألمانيا عالميا باعتبارها مقدما للخدمات العلاجية يدار بشكل جزئي من قبل "هيئة الترويج للطب الألماني عالميا". وأكبر هدف لهذه الهيئة هو "لاحتضان حوار عالمي حول العناية الطبية من خلال توفير معلومات تخصصية وتشجيع المستوى المتطور للعناية الطبية في ألمانيا". والهيئة الحديثة العهد، التي تأسست في 1998، هي ضيف دائم على المعارض والمناسبات الطبية في العالم العربي. ويعتبر المعرض الطبي العربي الذي يقام سنويا في دبي هو النقطة الرئيسية التي يتم من خلالها تسويق وترويج السياحة العلاجية في المنطقة. والجهة الأخرى التي لها تاريخ طويل في تشجيع العناية الصحية والطب هي ف. ف. أي لتسويق الطب ومقرها ايسن، والتي تعود إلى شركة فيرنغته فيرلاغسانستالتين للاتصالات، ومقرها ديسلدوف. ولشركة ف. ف. أي مطبوعتان طبيتان باللغة العربية، هما "الطب العربي" و"طب الأسنان العربي"، وهما مجلتان تتوجهان لممارسي الطب. وطبعت ف. ف. أي مؤخرا مجلة متخصصة للترويج بالعربية.

وأكثر ما يطلبه المرضى العرب من علاج هو التجميل، والعلاج الطبيعي، وأمراض القلب والعظام. وفي حال أن مرضى التجميل يطلبون العلاج بالدرجة الأولى في عيادات ومنتجعات طبية صغيرة خاصة وذات نوعية عالية، فإن مرضى حالات القلب وأمراض النساء تجدهم غالبا في المراكز الطبية الكبيرة المرتبطة مع المعاهد الطبية والكليات في المدن الكبيرة. ويرافق المرضى العرب في العادة أقاربهم وأصدقاؤهم. ويجمع العديد من العوائل العربية في موسم الصيف العطلة والعلاج الطبي، خصوصا عندما لا يكون مرضاهم محتاجين للعلاج السريع أو الخطر. وتوفر الوكالات الصحية ومحلات العقارات الفنادق والفيلا المريحة. ولا يعرف العدد المضبوط للعرب المتعالجين في ألمانيا ولكن الازدهار في الوكالات والنشاطات الإعلانية والمشاركة في المعارض والمناسبات الطبية تعكس الزيادة في أعداد المرضى والموارد.

وكانت السياحة العلاجية امتيازا خاصا بالمرضى الأغنياء في الأقطار النامية، ولوحظ في هذا المجال المصحات المخصصة لمرضى السل في النمسا أو الروامتيزم في إيطاليا. وقد أصبح اليوم السياح الطبيين جماعة مستهدفة، والكثير ممن قد يصبحوا مرضى في الدول المتقدمة يبحثون عن العلاج الرخيص في أقطار أخرى، في حال أن المرضى من ذوي الدخل العالي في العالم يبحثون عن أفضل علاج في أكثر الأجواء أمنا وراحة. وألمانيا هي بحق من أفضل العناوين في العالم من حيث النوعية العالية للخدمات الطبية والضيافة في نفس الوقت. وعدد الأثرياء العرب الذين يستجيبون للعروض الألمانية هو في تزايد مستمر.