قلعة القاهرة: كوكب يطل على مدينة تعز الحالمة
03/03/2006

صنعاء-خالد الضبابي

عندما تنظم برنامجا لزيارة المعالم السياحية في محافظة تعز لابد أن تجعل نصب عينيك زيارة قلعة القاهرة. ولن أكون مبالغا إذا قلت لك عزيزي القارئ حقيقة مفادها "إذا أردت إن تقرا تاريخ مدينة تعز فلتقرأه من على موقع قلعة القاهرة". والسبب هو أن تاريخ هذه المدينة الحالمة بدأ يأخذ مجراه منذ تأسيس هذه القلعة الشامخة.

وعندما تمعن النظر من بعيد باتجاه هذا الحصن يمكنك التعرف على أسباب اختيار تلك التلة أو القمة لبناء هذا الحصن المشيد على النمط المعماري اليمني القديم حيث أن القلعة تشرف بشكل مباشر على خط القوافل التجارية المارة من الجند إلى السواء متجهة إلى البحر الأحمر، وهي من الطرق القديمة الشهيرة والمعروفة بطرق التجارة.

وقد أصبحت القلعة اليوم من أهم المواقع السياحية في مدينة تعز لاسيما بعد توجيه رئيس الجمهورية قيادة المحافظة باستثمار موقع هذه القلعة وتحويله إلى معلم سياحي يؤمه الآلاف من الزوار سنويا. ويحتوي هذا المشروع السياحي على متنزه وحديقة صغيرة ومسرح مفتوح ومسبح وساحة عروض . ومازال العمل يجري فيها على قدم وساق لإكمال هذا المشروع السياحي النوعي في هذه المحافظة الحالمة.

وإذا أردت الوصول إلى هذه القلعة فقد تصعب عليك الطريق إليها ولكن من يخطب الحسناء لا يغله المهر فما عليك عزيزي الزائر إلا أن تيمم وجهك شطر الاتجاه الجنوبي لمدينة تعز القديمة عبر خط إسفلتي حتى مدخل القلعة. وهناك طريق أخر عبر اختراق المدينة القديمة لمن يهوون سياحة المشي على الأقدام. وعبر هذا الطريق يمكن مشاهدة العديد من المعالم السياحية، مثل الأخرى جامع المظفر ومسجد ومدرسة الأشرفية وقبة الحسينية، عبر طريق حجري مدرج. وعند وصولك إلى أعلى قمة في قلعة القاهرة تندهش حقا لتلك الصورة البانورامية. ويمكنك أن تقرأ من خلالها تاريخ مدينة تعز الحالمة والتي أصبحت بحق تسمى بعاصمة اليمن الثقافية. وستلاحظ بقايا سورها المنيع الذي كان يبدأ من قلعة القاهرة وينتهي بها ومازالت بقايا هذا لسور قائمة حتى الان كشاهد حي على الدور التاريخي الذي لعبته هذه القلعة عبر العصور المختلفة.

تقع قلعة القاهرة في سفح جبل صبر على مرتفع صخري يطل على مدينة تعز بنحو 120 م. وهي تبرز بشكل واضح تمطل على مدينة تعز من كل الاتجاهات فتبدو كما لو إنها نسر يستعد للتحليق في الأفق البعيدة يحميها من الخلف جبل صبر بامتداده الشاسع بل وتبدوا ملتصقة بهذا الجبل من الأسفل وهذا هو سر جمالها الدائم.

عرفت قديما بقلعة تعز إلا إن هذا الاسم لم يدم طويلا فأطلق عليها فيما بعد "قلعة القاهرة" لينتقل الاسم القديم ويطلق على المدينة نفسها. كما أنها تعرف حاليا بالعديد من التسميات منها "القلعة الحمراء" و"دار الأدب" و"حصن تعز" بالإضافة إلى "قلعة القاهرة".

وأما عن تاريخ هذه القلعة فهناك رأيان حول تاريخها وسنة تأسيسها: الرأي الأول يؤكد على أن تاريخ بناء هذه القلعة يعود إلى العصر الحميري، أي عصور ما قبل الإسلام، وذلك إعتمادا في إثبات هذا الرأي على الدراسات الأثرية التي تم إجراؤها على أجزاء من قلعة القاهرة حيث تم العثور على النقوش المسندية والعديد من اللقى الأثرية في القلعة نفسها والتي ترجع إلى عصور ما قبل الإسلام وهي شواهد حية تثبت تاريخ بناء هذه القلعة.

الرأي الثاني يرجع تاريخ بناء هذه القلعة إلى عهد الدولة الصليحية ( 436-532ه) ( 1045- 1138م) إذ بناها السلطان عبد الله بن محمد الصليحي شقيق الملك علي بن محمد الصليحي مؤسس الدولة الصليحية.

يحيط بالقلعة سور دائري أشار إليه نيبور قائد البعثة الدنمركية إلى اليمن في كتابه (من كوبنهاغن إلى صنعاء)، حيث وضع مخططا للقلعة. وقد أعيد ترميم معظم أجزاء السور مؤخرا على نفس النمط الذي كان عليه سابقا مع إضاءة الأجزاء الخارجية من السور، الأمر الذي زاد من جمال هذه القلعه في الظلام، حيث أنها تبدو من بعيد كما لو أنها نجم ساطع في السماء.

يبلغ طول السور الأعلى للقلعة 355م ويتوسط السور مبنى مربع الشكل بطول 14,15م يحتوى على ثلاث غرف. وللمبنى مدخلان، المدخل الرئيسي من الجهة الشمالية والمدخل الآخر من الجهة الجنوبية كما يوجد على بعد أمتار من الركن الشمالي الغربي خزان للماء مغلق وإلى جواره قبة نصف دائرية. كما يوجد في نفس الجانب بقايا لقصور هدمت. وفي الجانب الشرقي يوجد صهريج ماء (بركة) بطول 8 م وعرض 6م واستغلت هذه البركة حاليا كمسبح بجانب منتزه القلعة.

هذه هي قلعة القاهرة: كوكب تعز الحالمة، ما أن تطأ قدماك مدخلها حتى تشعر وكأنك تتجه لمقابله من أسسوها أنفسهم فيرحبون بك ضيفا عزيزا نزلت بدارهم وعندئذ تشعر بالدف بين أحضان تلك القلعة الصامدة في وجه الدهر.