محكمة العدل الدولية مقصد سياحي في لاهاي
08/12/2006

عندما طرحت فكرة إنشاء محكمة دولية للنظر في النزاعات العالمية التي كانت تعصف بأوروبا بداية القرن التاسع عشر، استهجنها الأوروبيون بسبب التكاليف المادية الباهظة ورفضت جميع الدول ان يقام المقر على أرضها. غير ان هولندا، هذا البلد الصغير الذي لم يكن له أي شأن يذكر في تاريخ أوروبا في ذلك الوقت، قررت ان تكون هذه المحكمة على أرضها وفي العاصمة تحديداً كي تدخل التاريخ من أوسع أبوابه... وكان لها ما أرادت.

في بداية الأمر كانت محكمة العدل الدولية قصراً صغيراً للمؤتمرات بناه نيكولاس الثاني آخر قياصرة روسيا عام 1899 بتأثير من إيفان بلوك والكاتبة النمسوية الشهيرة وأول امرأة تنال جائزة نوبل للسلام بيرثا فون سوتنر التي مرت الذكرى المئوية لحصولها على الجائزة في بداية هذا العام.

 ÙˆØ¨Ù…ا ان فكرة نيكولاس الثاني لم تتطور الى محكمة دولية، فقد طرحت من جديد ووجدت صداها لدى أحد أكبر الأثرياء في العالم أندريو كارنكي (1839 – 1919) الأميركي من أصول اسكتلندية حيث ساهم في بناء المحكمة التي بلغت تكلفتها 1.5 مليون دولار في ذلك الوقت وهو مبلغ لا يستهان به حتى الآن. وتكريماً لهذا الرجل سميت إحدى القاعات الكبيرة باسمه. واستغرقت عملية البناء ست سنوات من 1907 الى 1913ØŒ وافتتحت يوم 28 آب(اغسطس) على يد الملكة الهولندية فيلامينا.

بنى المحكمة المهندس لويس كوردونير على الطراز البيزنطي الذي يتميز بالاهتمام بالتفاصيل الصغيرة والزخرفة والرموز البشرية والحيوانية والنوافذ ذات العقد والأقواس المنحوتة او المصبوبة في قوالب معدة لهذا الغرض. في مدخل البناية ممر طويل يقود الى ساحة كبيرة غالبا ما تكون مكانا للتظاهرات التي يقوم بها دعاة السلام ضد الجرائم الإنسانية التي تحدث في العالم. وهناك نافورة مبنية على الطريقة الدنمركية تتوسط الساحة.

تحتوي محكمة العدل الدولية على عدد كبير من المباني يختص كل منها بأداء دور معين، فهناك مكتبات وقاعات للاجتماعات وأخرى للمؤتمرات وثالثة للمحاكمات، كما توجد ايضا قاعات لتقديم الدروس الخاصة لتدريب الأساتذة والقضاة والمحامين لتأهيلهم وغالبا ما يكونون من بلدان العالم التي تتعرض فيها حقوق الإنسان الى انتهاكات خطيرة او البلدان التي تسعى الى ان تكون دولا ديموقراطية .

اما المكتبات فتوجد اثنتان منها إحداهما مكتبة خاصة بتاريخ حقوق الإنسان وأخرى تختص بالحق العام. وتحتوي كل منهما على عدد كبير من الوثائق والمؤلفات المهمة والكثير من المراجع التي تدرس تاريخ حقوق الإنسان والقضايا الخاصة بكل بلد منذ تأسيس المحكمة وحتى الآن. كما توجد أكاديمية خاصة لتدريس الحق العام تقدم دروسها في الصيف فقط.

وخلال الحرب العالمية الثانية، عندما احتلت ألمانيا النازية المملكة الهولندية، حاولت القوات الغازية الاستيلاء على المحكمة وبنايتها الا ان الرأي العام العالمي حال دون ذلك وحافظت المحكمة على تراثها.

على المستوى الرسمي، تعتبر محكمة العدل الدولية الهيئة القضائية الرئيسية للأمم المتحدة. وقد بدأت عملها عام 1946 عندما حلت مكان محكمة العدل الدولية الدائمة التي كانت تشغل المقر نفسه منذ العام 1922. وتعمل المحكمة وفق نظام أساسي يشبه إلى حد كبير نظام سابقتها الذي يعتبر جزءا لا يتجزأ من ميثاق الأمم المتحدة . وقد شغلت وزارة العدل الهولندية هذا القصر في فترة ما.

تفتح المحكمة أبوابها للزوار يومي السبت والأحد من كل أسبوع، حيث يزورها كثير من السائحين من مختلف بلدان العالم، وتسمح لدعاة السلام وحقوق الإنسان بالتظاهر في ساحتها الرئيسية الكبيرة.