الحضر...شمس عراقية تتوسد الصحراء
16/09/2004

جريدة الصباح الجديد

الموصل - عبد الوهاب النعيمي

مثل فردوس يتوسد ضلع الصحراء تطل بوجهها المشرق البهي على بادية الجزيرة الغربية.. إنها الحضر، المدينة الممتلئة بالنور ودفء الشمس، الباسطة يديها أبدا تستقبل الزائرين، لتحكي من تاريخها البعيد على مسامعهم ألف حكاية وحكاية.

بمثل وميض الحلم تتحرك هياكلها، كما يتحرك نبض التاريخ في اللمسات الجميلة لمعمار قناطرها وقيودها ومداخلها، وسورها المدفون منذ ألفي سنة تحت وهدة غبار الزمن. في عنق الصحراء الغربية، حيث الرمال قد مال لونها إلى الاصفرار بفعل انعكاس الشمس العمودية فوقها، تطل هياكلها الرخامية كملمح من سراب يترأى للقادمين إليها من بعيد وكأنها واحدة من مدن الأساطير. تلك هي الحضر، مدينة السياحة، والتاريخ، والحكايات! يصفونها بمدينة السياحة، ولكنك حين تطأ أرضها لا تجد أثرا لما توحيه الكلمة ”السياحة“ لا شيء فيها إن استثنينا فندقها ”اليتيم“ وما عدا ذلك لا شيء يمكن لهذه المدينة النائمة منذ ألفي عام إن تقدم لزائريها غير وهج الشمس وغبرة الرمال.

فهل يمكن لمدينة الحضر أن تكون من المدن السياحية؟!.

يجمع كل المعنيين بعلوم الجمال والفنون والسياحة إن مدينة الحضر مهيأة كي تكون واحدة من أجمل ما خلق الله.

ولكن بعد رفدها بمستلزمات العصر، بعد أن تنهض ببيوت أنيقة وفنادق واسعة ومطاعم وساحات مفتوحة، وشوارع وحدائق وبحيرات ومسارح ودور عرض وأسواق ومضامير لسباق الخيل ومنابر لمسابقات الجمال واختيار ملكات السياحة في قلب الصحراء. إن توفرت في مدينة الحضر كل هذه المرئيات والشواهد، فإنها بالتأكيد ستكون واحدة من أبرز مدن السياحة العراقية، ليس في العراق وحده، بل في عموم الأرض العربية..

والحضر واحدة من المدن  البالغة الأهمية وأضخمها وأروعها من حيث مبانيها الشاخصة، وهي من المدن القليلة التي تمتد إليها يد المنقبين الأجانب، وان كانت البعثة الألمانية قد زارتها وكتبت عنها وصورت بقاياها، غير إن أعمال التنقيب الرئيسة فيها تمت من قبل الهيئة العامة للآثار والتراث حصرا.

بدا الوضوح في تاريخ هذه المدينة التي تسمى”مدينة الشمس “ بعد التنقيب في إطلالها واكتشاف الشواهد الاثارية، ومنها الكتابات الآرامية المحفورة على قواعد التماثيل وجدران وأرضيات المباني، وألقت هذه الكتابات التي زاد المنشور منها على الأربعمائة نص الضوء على الجوانب السياسية والدينية والاجتماعية.

وقد كشفت التنقيبات عن”احد عشر معبدا صغيرا “ ودور للسكن وعدد من بوابات السور الذي يحيط المدينة.

الحضر مدينة ”مدورة“ محصنة بسورين وقلاع، طول سورها الخارجي نحو ثمانية كيلو مترات مشيد باللبن على ارتفاع واطيء نسبيا، ثم يليه السور الداخلي بطول ستة كيلو مترات مشيد بالحجارة وفيه أربع بوابات بنيت بطريقة فنية ماهرة لزيادة تحصين المدينة. وكان سور الحضر كما يذكر ياقوت الحموي:”معززا بستين برجا وبين البرج والبرج تسعة أبراج صغار، وإزاء كل برج قصر، ومعظم الأبنية شيدت بالحجارة ويبرز المعبد الرئيس في قلب المدينة وهو المعبد الكبير الذي كان مخصصا لعبادة ”آلهة الشمس “ والى جانب المعابد التي تم اكتشافها خلال تنقيبات عام 1951Ù… فقد تم العثور على أعداد كثيرة من التماثيل الشخصية التي تمثل آلهة الحضر وكهنتها  ÙˆØ´Ø®ØµÙŠØ§ØªÙ‡Ø§ وقادتها، كما تم العثور على كميات من الحلي والذهب والفضة، وعلى مجموعة نفيسة من الآثار المصنوعة من النحاس والبرونز وعلى أعداد من المسكوكات التي ضربت في الحضر.