جسور بغداد: أذرع للحب والمودة
16/09/2004

هادي الربيعي- جريدة الصباح

بغداد مدينة السحر والخيال وعاصمة الأدب والجمال شهدت هذه المدينة العريقة المغمسة بعطر التاريخ وأريج المعرفة توسعاً كبيراً منذ نشأتها عام 149 هجرية 766 ميلادية في مبانيها وعمرانها فمن مدينة مدورة لا تتعدى مساحتها الخمسة كيلومترات ونصف الكيلو في موقع حي العطيفية الحالي إلى انتقال العمران في جانبها الشرقي أي الرصافة عام 151هجرية ومنذ ذلك الحين صارت هذه المدينة تتألف من جانبين متقابلين هما الكرخ والرصافة.

وهذه المدينة ظلت وفية لنهر دجلة الخالد الذي يشطرها الى شطرين فهذا النهر ظل منذ انشائها على كتفه يجلب لها الخصب والنماء والخير ويسقي بساتينها ويروي حقولها ويورق جنائنها فضلت فاتحة ذراعها تحتضن دجلة الخير كما تحتضن الأم الرؤوم وحيدها وظل هذا النهر وفياً لبغداد باراً لها وبادلها مشاعرها وأحلامها وطموحاتها وشاركها حلاوة الازدهار والعمران ومرارة الاحتلال والتخريب فكان شاهداً على ما عاشت من أيام خوالد وما تحملته من مآس وآلام واحتلالات مأساوية ظالمة.

واعتبر نهر دجلة شريان بغداد الحيوي وشارعها الجميل الكبير فقد كان منذ القدم يزدحم بمئات الزوارق والسفن والاكلاك التي تنقل البضائع والناس شمالاً وجنوباً كما تعبر بهم النهر بين الكرخ والرصافة وهذا يفسر وجود عشرات المرافىء التي كانت تسمى الواحدة منها بالمشرعة ويسميها الناس بالشريعة وهي كانت عبارة عن نقاط للعبور بين الجانبين وتغذية الأسواق بالسلع والحاجيات اليومية وتجعل جانبي المدينة على اتصال حيوي دائم .

ومنذ نشوئها أقام أبو جعفر المنصور ثلاثة جسور احدها للذهاب والثاني للإياب والثالث للنساء ذهاباً وإياباً. وتشير المصادر التاريخية إن الرشيد أقام جسرين اثنين عند باب الشماسية (الصليخ حالياً) ويقول الخطيب البغدادي أقيم بمشرعة القطانين في عام 383 هجرية جسر وبقي مدة ثم تعطل ولم يبق ببغداد سوى جسر واحد بباب الطاق إلى إن حول في سنة 448 هـ فعقد بين مشرعة الروايا من الجانب الغربي وبين مشرعة الحطابين من الجانب الشرقي ويذكر إن ابن بطوطة الذي زار بغداد عام 727 هـ/1327 م انه كان في بغداد آنذاك جسران اثنان.

وفي ظل السيطرة العثمانية أقيم احتفال جماهيري كبير لأهالي بغداد بافتتاح واحد من أهم جسور بغداد وهو موقع جسر الشهداء الحالي وقد أقيم من وضع صفائح حديدية وخشبية على جنائب مربوطة ليربط بين الكرخ جهة الجعيفر والرصافة جهة الرصافي الآن. وقد امتلأ الجسر يوم الافتتاح بمئات الناس فيما ازدحمت مياه نهر دجلة بعشرات الزوارق التي حملت الناس للاحتفال بهذا اليوم السعيد .والى جانب هذا الجسر أقام الجيش البريطاني عام 1918 جسراً من الحديد على القوارب سمي بجسر الجنرال مود يربط بين الصالحيية في الكرخ  ورأس القرية في الرصافة والأحرار حالياً.

ثم شرع في بناء أول جسرين ثابتين في تاريخ بغداد في نهاية الثلاثينات وافتتح اولها عام 1940 وسمي بجسر المأمون (الشهداء أو العتيق) وثانيهما عام 1941 وسمي بجسر الملك فيصل (الأحرار حالياً) الذي حل محل جسر مود ونقلت مقومات الجسر إلى مكان آخر من النهر يقع بين الكاظمية والأعظمية.

وفي الخمسينيات تم تشييد ثلاثة جسور هي الرصافة الحديدي والجمهورية والأئمة، أما الجسر المعلق في الكرادة فقد تم افتتاحه عام 1964 وأعقب جسران شيدا في السبعينيات هما جسر باب المعظم عام 1977 وجسر المثنى في صدر

قناة الجيش في 1979 بينما شهدت الثمانينيات إقامة جسر الاعظمية المعلق وجسر الرشيد في السنك والجسر ذي الطابقين لتصبح هذه الجسور 12 جسراً. وفي ضوء التوسع المعماري الهائل الذي شهدته مدينة بغداد والزيادة الكبيرة في عدد نفوسها كونها اكبر مركز تجاري وإداري يستقطب أعداداً كبيرة من سكان المحافظات القريبة وأقضيتها للعمل في بغداد كمحافظات ديالى والحلة والكوت وحتى كربلاء يساهم هذا العامل في زيادة نفوس هذه المدينة وخاصة خلال النهار وبسبب الاختناقات المرورية أوجدت الحاجة إلى ضرورة تشييد خمسة جسور حديثة في بغداد وهذا ما تمخضت عنه الدراسة التي أعدتها إحدى الشركات البولونية لتسهيل انسيابية التنقل في مدينة بغداد إلا إن الظروف القاهرة التي مرت بها البلاد خلال الثمانينات وإهمال النظام السابق قد عطل هذا المشروع الحيوي.

أما الآن وفي ضوء الظروف المرورية المعقدة التي تعيشها مدينة بغداد جراء بلوغ السيارات الجديدة الداخلة إلى البلاد بحوالي مليون سيارة فأن ذلك يستدعي إنشاء ما لا يقل عشرة جسور دفعة واحدة إضافة إلى تطوير وتفعيل التصميم الأساسي للمدينة وإنشاء الجسور والطرق المعلقة والتقاطعات ذات الطبقات المثالية لتخفيف وكسر حدة الازدحام المروري الذي يخلنق بغداد وأهلها . .