تنويع في فئات السباقات... وآفاق استثمارات مبتكرة ومجدية
21/10/2004

المنامة - وديع عبدالنور      الحياة     2004/10/18

ترمي حملة الترويج لمعالم البحرين في الخارج الى إطلاق مفهوم "السياحة الشاملة", وفق ما أكده القائمون على هذا البرنامج, بحيث ترتبط العناصر والمشاريع التنموية والاقتصادية كلها في هذا الإطار, ومنها من دون شك حلبة الصخير لسباقات السيارات, المقامة على بعد 25 كلم جنوب العاصمة المنامة والتي شهدت في 4 نيسان (ابريل) الماضي احدى جولات بطولة العالم لسباقات فورمولا واحد, للمرة الأولى في منطقة الشرق الأوسط, مشكّلة نقلة نوعية وتاريخية على حد سواء. وتستعد الحلبة لسباق ثان في اطار البطولة العالمية موعده في 3 نيسان المقبل, اضافة الى برنامج حافل لسباقات السيارات وأنشطتها... هكذا تدخل رياضة المحركات عاملاً مؤثراً في النشاط السياحي - الاقتصادي مؤكدة ان الرياضة صناعة قائمة بحد ذاتها وعامل جذب كبير.

حلبة سباق ومتفرجة.

 Ù„فتتني الفكرة المبتكرة الترويجية لجائزة البحرين الكبرى لسباقات فورمولا واحد ومعالم البحرين السياحية والاقتصادية من خلال القرص المدمّج الذي يحتوي على المعلومات والتفاصيل, وقد وضّب في غلاف بلاستيك أنيق شفاف وغطي بحفنة من الرمال... فحلبة الصخير نبتت واحة فريدة من نوعها في وسط الصحراء لتتميز عن مثيلاتها في مختلف أنحاء العالم. والصور التي يحتويها القرص تظهر العادات والتقاليد والمزايا اليومية البحرينية والأسواق والأغراض التراثية, وكثير منها يهم السائح ويسعى الى اقتنائه. ومن بين السياح مجموعة كبيرة من أبطال سباقات السيارات وتقنييها. ومثلما يلهث عشاق هذا النوع من الرياضة خلف جولاتها ويتلذذون ويطربون بسماع هدير محركاتها الذي يصمّ الآذان, هناك كثر من الذين ينشدون التمتع بالطبيعة المختلفة والتعرف على الآثار والمعالم والعادات والتقاليد بعد الجولات وإثارتها المتأججة.

وفي سياق هذه الحملة, جاء الشعار الجديد "انطلاقة عربية - سباق عالمي" في "موطن رياضة السيارات في الشرق الأوسط", باعتبار ان اول السباقات شهدته المملكة عام 1950.

انشئت الحلبة من ضمن المشروع التنموي الطموح واستثمر فيها اكثر من 150 مليون دولار, وهي كناية عن ست حلبات في واحدة لمختلف اختصاصات سباقات المحركات, اضافة الى البرج المميز القادر على استضافة المؤتمرات والحفلات في الهواء الطلق. ويقدم للشركات العالمية حوافز وفق مواصفات وتجهيزات من خمس نجوم.

وتعد حالياً تفاصيل دراسة استثمار المنطقة المحيطة بالحلبة لتنضم الى المشاريع العملاقة, على غرار مرفأ البحرين المالي الذي يعتبر "مدينة في قلب مدينة", وتتداخل فيها عناصر المال والتجارة والترفيه والفنون وتنجز المرحلة الأولى عام 2007 بكلفة مقدارها 250 مليون دولار, ومشروع جزر امواج (بليون دولار) ومشروع درة البحرين السياحي (نصف بليون) ومنتجع العرين (600 مليون)... وذلك في اطار تنويع البنية الأساسية للاقتصاد, ما يتيح فرص استثمار واعدة في الخدمات المالية والنقل والمواصلات والصناعة والعقارات والسياحة, وتدخلها الرياضة التي تحرّك مرافق عدة وأثرها ايجابي جداً في حركة الفنادق والشقق المفروشة والمطاعم والنقل والخدمات الاخرى.

وحين صوبت البحرين انظارها ناحية بناء حلبة فورمولا واحد, أرادتها أداة أساسية للتعريف عن نفسها, ووجدت فيها فوائد ملموسة على غرار ما حصّلته ماليزيا على هذا الصعيد حين شيدت حلبة سيبانغ, وأدى توقيع عقودها الى فوائد استثمارات بنحو 150 مليون دولار تضاعفت في السنة التالية.

وتلحظ دراسات الجدوى الاقتصادية في العالم, التركيز المتنامي على تطوير اسواق الترفيه والوقع الكبير الذي تحدثه الرياضة على الناس والاعمال. ومن الطروحات والخيارات التي اشارت اليها شركة "اي تي كيرين" التي عهدت اليها البحرين اجراء دراسات مشاريع البنى والاستثمار, مشروع حلبة فورمولا واحد.

ويوضح الشيخ فواز بن محمد آل خليفة رئيس المؤسسة العامة للشباب والرياضة رئيس مجلس ادارة حلبة البحرين الدولية ان الهدف الأكبر للمشروع جعل البحرين مركزاً اقليمياً وعالمياً يجذب أهم وأكبر فاعليات ومهرجانات رياضة السيارات في العالم التي باتت تستحوذ على اهتمام البلايين من الناس ومتابعتهم.

وتأتي الخطوات المقبلة لترسخ هذه النظرة, اذ ستشهد الحلبة مهرجان سيارات جي تي بمشاركة اكثر من 70 سيارة من صناعات مختلفة منها فيراري 550 مارانيللو ومجموعة متنوعة من بورشه وكرايسلر فايبر "جي تي آر اس" ولامبورغيني ديابلو "جي تي آر" وهولدن مونارو ولوتس سبورت أليس...

ويرى المدير العام للحلبة ديفيد وايتكر ان المهرجان سيكون اولى الخطوات نحو استضافة احدى الجولات الرسمية لبطولة جي تي عام 2005, فضلاً عن تنظيم سباق سوبر فورمولا 3, الفئة التي تعتبر المؤهل الاخير للفورمولا واحد, وذلك في 9 و10 كانون الاول (ديسمبر) المقبل, بمشاركة أكثر من 15 فريقاً من الفرق التي تتسابق سنوياً في بطولة ماكاو الشهيرة, علماً ان ابطالاً عدة تخرجوا من هذه المسابقة امثال ميكايل شوماخر, روبنز باريكيللو, آيرتون سنا, دايمون هيل, غيرهارد بيرغر, نيلسون بيكيت, نايجل مانسيل وغيرهم.

ويضيف وايتكر: "بدءاً من العام المقبل ستعقد دورات وندوات تدريبية متطورة ومعتمدة دولياً لمنظمي سباقات السيارات, وتوفير أماكن خاصة لتدريب السائقين من اجل تعزيز مهاراتهم وتعريفهم بأصول القيادة وإجراءات الأمن والسلامة".

ومن المقرر ان تشهد الحلبة في شباط (فبراير) المقبل التقديم الرسمي لفريق وليامس بي ام دبليو المشارك في فورمولا واحد, كما ان الحجوزات كثيرة لاجراء الاختبارات التطويرية وإطلاق الموديلات الجديدة لطرازات عدة. ويبقى المهم ايضاً مشروع مدرسة اعداد الابطال والاستثمار في مجال التصنيع وإعداد المهارات الخاصة على أنواعها برياضة السيارات... ومكانه قرب الحلبة ضمن المنطقة المستقبلية التي كانت تعتبر نائية منذ اعوام قليلة, وتضم حالياً مرافق الجامعة ومرمح سباق الخيل ومشروع منتجع العرين.

"سياحة الشباب"

ويدرك المسؤولون عن السياحة البحرينية جيداً ان دور الرياضة لم يعد مقتصراً على شؤون المنافسة والترفيه فقط. ويؤكد مبارك سعيد العطوي الوكيل المساعد للشؤون السياحية في وزارة الاعلام ان الاقتناع بأهمية السياحة الشاملة "جعلنا نعد الخطط والبرامج لكيفية الافادة من الاحداث الثقافية والرياضية على انواعها للنهوض بالقطاع السياحي. بدأنا التعريف بجائزة البحرين للفورمولا واحد منذ عام 2003 في المعارض والمؤتمرات الخارجية ومنها في جنيف ولندن, ورافقنا متخصص في شؤون السباق كمتحدث فني. حاولنا ان نكون شركاء في الاعلان قبل ان نكون موفرين للتسهيلات. ولمسنا صدى طيباً في هذه المنتديات".

وأضاف: "كانت التجربة سريعة العام الماضي, لا سيما ان موعد السباق كان تحدياً للبحرين. ونحن نركز حالياً على الرزمة السياحية المتكاملة, ولأن المشروع السياحي بمفهومنا ليس مجرد ضيافة وبحر وشمس, هناك اهتمامات رياضية ايضاً, وتهتم شريحة كبيرة من الشباب في العالم أجمع بهذه الرياضة, ولا بد من ان تكون لها مساحة في مشاريعنا وخططنا. نحن بدأنا قبل سنوات برامج المسابقات البحرية وبطولاتها انطلاقاً من توجه تعاوننا فيه مع المؤسسة العامة للشباب والرياضة. وجاءت الانطلاقة الثانية منذ تبني ولي العهد الشيخ سلمان بن حمد آل خليفة, الشغوف برياضة سيارات الفورمولا واحد, هذا المشروع الذي وضع البحرين على الخريطة العالمية السياحية وانعكاساته ايجابية على المنطقة كلها. طموحنا ان يستفيد السائح بحضوره الى البحرين ليتابع سباقات السيارات التي يهواها ورياضات اخرى يزاولها او يستمتع بمشاهدتها ويسوح على المعالم التاريخية ويتسوق ويستثمر". انها خطة متكاملة تستند الى التسويق السياحي لمشاريع البحرين كافة بالتعاون مع الوزارات والمراكز المعنية, اضافة الى نشر الوعي والترويج الداخلي.

ومع إدراج سباقين جديدين يتوقع ان تستقطب حلبة الصخير مئة الف متفرج سنوياً من الداخل والخارج طالما ان تأشيرة الدخول تمنح مجاناً لمشتري بطاقات السباقات, وأماكن الاقامة والسكن متوافرة (سعة الفنادق الحالية والشقق المفروشة اكثر من 15 الف سرير) وحركة المواصلات سلسة جداً, مهما كثر العدد... "وضعنا خطة احتياطية للسباق الاول من ضمنها طائرة تفادياً لأي تقصير او تجنباً لزحمة المرور, لم نحتج اليها" كما يكشف الشيخ فواز بن حمد. وطيران الخليج الناقل الرسمي الذي تحمل جائزة فورمولا واحد اسمه يتواصل مع 50 وجهة عالمية, فضلاً عن عقد اتفاقات مع الرحلات العارضة وعروض تشمل حجوزات الفنادق والنقل. ويبقى الابرز ان الترويج والتسويق لسباق فورمولا واحد المقبل يركزان على أيامه الثلاثة, اي جولات التجارب والتأهيل والمنافسة الاخيرة (1 و2 و3 نيسان), ولئلا تكون مدرجات الحلبة شاغرة في اليومين الاولين.

موطن حضارتي دلمون وتايلوس

تتميز مملكة البحرين بالغنى والعراقة. ويعتقد انه قبل آلاف السنين كان البدو الرحل يجوبون صحراء البحرين, استناداً الى الأشكال البدائية من حجارة الصوان التي كانت تستوفى في شكل ضرائب. كما دلت الاكتشافات الحديثة ان البحرين كانت موطن حضارة "دلمون" المفقودة التي يعود تاريخها الى الألفية الثالثة قبل الميلاد والتي تسمى غالباً حدائق عدن الأسطورية التي وصفت بالجنة في ملحمة جلجامش. وورد ذكر ارض "دلمون" مراراً في المخطوطات السومرية والبابلية والآشورية على انها ميناء مهم بين بلاد ما بين النهرين ووادي السند, كما تميزت بالوفرة الدائمة من المياه العذبة.

وعام 600 ق.م. استوعبت البحرين في الامبراطورية البابلية الجديدة حيث ازدهرت مرة اخرى. وعام 323 ق.م. وصلت سفينتان من سفن الاسكندر الأكبر الى شواطئها لتدشن طرقاً تجارية جديدة أدت الى نفوذ اغريقي قوي لدرجة ان اسم البحرين تبدل من "دلمون" الى "تايلوس".

واحتوت البحرين اكبر مقبرة منذ عهود ما قبل التاريخ, وفي احدى المراحل ضمت نحو 170 ألف مدفن على هيئة تلال غطت المناطق الوسطى والغربية من البلاد. وقدمت الاكتشافات الأثرية للمدافن الدليل على وجود حضارتين متميزتين هما حضارة "دلمون" و"تايلوس" ويفصل بينهما 200 عام.

وجاء ذكر "دلمون" في الكتابات المسمارية القديمة التي وجدت في بلاد الرافدين وفي موقع ايبلا شمال سورية, وحاول العلماء معرفة مكان "دلمون" التي وصفت بأرض الخلود, وبأنها تقع حيث تشرق الشمس وتبعد عن بلاد الرافدين ثلاث ساعات مزدوجة, فكانت المعادلة ان "دلمون" هي البحرين. وأثبتت التنقيبات الأثرية ان البحرين هي "دلمون" المشار إليها في النصوص القديمة بمراحلها التاريخية المتعاقبة, وفيها مستوطنات وقرى تزخر بحياة القصور والأسواق والعيون الطبيعية والقنوات والمعابد ومئات الآلاف من المدافن على مختلف الأشكال والأحجام. وتدل الأواني الفخارية والحجرية والأختام الدائرية واللقى الأثرية الأخرى على تطور نمط الحياة وتقدم الصناعة والتجارة واتساعها حتى لعبت "دلمون" دور الوسيط التجاري بين حضارات وادي الرافدين ووادي السند وأنحاء الجزيرة العربية الأخرى.

اما "تايلوس" و"أرادوس" فهما الاسمان اللذان اطلقهما الإغريق (اليونان) على جزيرتي (المنامة والمحرق), وذلك في القرن الثالث قبل الميلاد. وقد عرف الإغريق المنطقة قبل ان يصل إليها نياخوس قائد الحملة

المرسلة من الاسكندر الأكبر لاستكشاف المنطقة, ووصفها بأنها جزيرة طيبة تتمتع بالموانئ الطبــيعية, وهي زاخرة بالنخيل وصيد اللؤلؤ والأسماك.

وسميت البحرين باسم (أوال) خلال عصر ما قبل الإسلام, ودخلت الإسلام سلماً بعد وصول مبعوث النبي محمد (صلّى الله عليه وسلّم) عام 629م (العام السابع للهجرة). ولعب اهلها دوراً لا يستهان به في حركة الفتوحات الإسلامية فأعانوا جيوش الدولة الإسلامية بخبرتهم ومهاراتهم في الملاحة. ويعتبر مسجد الخميس من اوائل المساجد التي بنيت في البحرين, اذ تقول عنه الرواية المحلية انه شيّد في عهد الخليفة الأموي الثامن عمر بن عبدالعزيز.

واستمرت البحرين تلعب دورها الحضاري والاقتصادي عبر عصور الإسلام المختلفة, ولا تزال تؤدي دوراً بارزاً في المنطقة.