الوجه الثقافي والسياحي لمدينة الكفل
29/10/2004

بابل/ صلاح حسن السيلاوي -جريدة الصباح-

في وسط المسافة بين أسوار بابل التاريخية وقباب النجف التي تعانق السماء بذهبها تنتصف الطرق والمحبة مغلفة ومبطنة بالجمال فهي العريقة والشاهدة على ملوك بابل وانتصاراتهم. عندما تضع قدميك على ترابها ستعلم انك على أي ارض ناطقة تقف.

ووسط أي تاريخ موغل في كبد العصور البعيدة إنها مدينة تمتزج فيها الحياة وتتنوع أشكالها فهي المزدحمة بالمزارات والمراقد الدينية فهنا مرقد نبي وهذا قبر ولي وهناك بين بساتين النخيل ضريح أمام وذاك بين البيوت المتواضعة جامع لوصي وخليفة، أنها ”برملاحة“ تلك المدينة القديمة وهي ”الكناسة“ التابعة للكوفة عاصمة المسلمين وهي ”النخيلة“ الشاهدة على ثورة العشرين وهي الكفل التي أخذت اسمها من النبي بعد أن احتظنت قبره الشريف وجسده الطاهر، كذلك تراها مدينة تفوح من أزقتها ذكريات التواريخ لكثرة ما تحتوي من تلال أثرية وأسوار ومبان تعود للعهود البابلية ومن جانب آخر هي منطقة زراعية محاطة بالمزارع واغلب أهلها من أصول ريفية يعتمد أكثرهم في جني الرزق على الزراعة إن الحديث عن مثل هذه المدينة يستدعي الحوار الجاد في فاعلية حركتها الثقافية وسبل تطوير سياحتها وذلك لوجود قاعدة أساسية وفاعلة في هذين الجانبين.

الحركة الثقافية في المدينة

النشاط الثقافي في الكفل تمثله مجاميع المثقفين الذين يعملون ضمن مراكز ثقافية مثل المركز الثقافي الإسلامي ومركز الصادق الثقافي ورابطة المثقفين في الكفل ومكتبة الحكيم وهذه المراكز تسير على إقامة الندوات الفكرية والأماسي الأدبية والمحاضرات الإسلامية المتخصصة إضافة إلى إن المثقفين لهم استقلالية تامة في إنماء وتطوير مشاريعهم الثقافية الخاصة من خلال الكتابة في الصحف والمجلات المحلية وغيرها.  الصباح التقت الباحث والنسابة الأستاذ محمد صالح محمد والذي تحدث عن الوضع الثقافي في المدينة قائلا: إن المثقفين موجودون ولكن الحركة الثقافية في كل مدينة لا يحفزها ويطورها وجود المثقف فقط بل لابد من عوامل أخرى تشارك في دفع النشاط الثقافي إلى أعلى مثل وجود إدارة ثقافية جيدة وتمويل يتواءم مع قوة وفاعلية الثقافة في المنطقة وأضاف: ومن الأساسيات في تطوير الثقافة إن يكون السعي في التطور كليا وفي كل الجوانب لهذا فالمدينة بحاجة إلى الكثير من الخدمات كما يعوزها العمل للقضاء على البطالة المتفشية في الناحية، فهذا شارع الحسينية كان سابقا يعتبر مركزا للإشعاع ومنتدى ثقافيا ومنطقة خاصة بإقامة الاحتفالات الإسلامية المتنوعة. كما إن الكفل مدينة سياحية من الدرجة الأولى بما تشتمل عليه من أماكن دينية وأثرية متفردة. ثم التقينا بالباحث التاريخي محمود محمد سهيل والذي تحدث عن تشكيل رابطة المثقفين بعد سقوط نظام صدام حيث تأسست الرابطة في الكفل بتاريخ 13/ 8/2003 وعقد مؤتمرها التأسيسي بحضور”120“ شخصية مثقفة من أهالي الناحية وأشار إلى إن الرابطة موجودة الآن كتنظيم ثقافي ولكن عملها متعثر بسبب التمويل وعدم وجود مقر مناسب فهي مسجلة في وزارة التخطيط ومجازة قانونيا ولكنها لم تحصل على أي دعم من جهة رسمية أو غير رسمية أما بخصوص المكان فقال بأن الرابطة حصلت على مقر يتمثل بغرفة واحدة في إحدى المراكز الثقافية في المدينة.

أسس قوية لسياحة دينية واسعة

المدينة وبكل ما تمتلكه من تفرد تاريخي ديني تعتبر ثروة سياحية مخزونة طال خزنها وخرابها فهي قادرة على جلب السواح المتخصصين وغيرهم بما تملكه من تاريخ مع إمكانية صناعة المستلزمات المساعدة من خدمات سياحية مختلفة فالمدينة تحتوي على أماكن دينية مقدسة تساعد على تحفيز السياحة في منطقة الفرات الأوسط والعراق عموما إذ إن الكفل تتشرف بأنها تحمل بين ضلوعها مقام ولادة النبي إبراهيم الخليل”ع “ المولود في ما يقارب ”1900“ ق.م في قرية مازالت تسمى باسمه ”قرية إبراهيم الخليل“ وهي نفس القرية التي شهدت محاولة حرقه”ع “ والمذكورة في القرآن بالإضافة إلى وجود قبر النبي الصابر أيوب”ع “ في شمال الناحية على طريق حلة - كفل حيث توجد قبة وصحن يقصده الزوار من جميع أنحاء العالم. الباحث محمد صالح يقول: في سنة 597 ق.م وأثناء السبي البابلي الأول جاء مع المسبيين من فلسطين إلى بابل عاصمة الدولة الكلدانية”حزقيال بن يوزي“ احد أنبياء بني إسرائيل وكان يقوم بدور الكاهن مدة عشرين سنة ثم مات ودفن في مدينة الكفل وله مزار وقبة مخروطية الشكل وصحن ويمتلك قدسية عند الديانات السماوية المهمة الثلاثة وهو نفسه المذكور في القرآن الكريم ”وإسماعيل وإدريس وذا الكفل كل من الصابرين“ وقد رأينا من خلال تجوال الصباح في الناحية أنها تحمل خارطة مضيئة وواسعة من المراقد والأماكن المقدسة فهي تحتوي على مرقد الصحابي الجليل رشيد الهجري وضريح الإمام زيد بن علي بن الحسين”ع“ وبكر بن علي وعبد الله بن زيد ومسجد النخيلة الذي صلى به الإمام علي وهذه المراقد التي تتنوع في محتواها الطاهر بين نبي وإمام وصحابي وخليفة وعالم تتميز بأنها محط أنظار أهم الديانات وأوسعها انتشارا بالإضافة لأهميتها لكل المذاهب الإسلامية وهذا يؤسس لسياحة دينية مستقبلية مهمة.

آثار هشام بن عبد الملك وبورسيبا

لا غبار على إن الكفل منطقة مهمة في بقعة الآثار العراقية المشعة فهي تشتمل على بقايا أسوار بابلية وشواهد تاريخية مثل أطلال ”بورسيبا“ والتي تعني باللغة السومرية سيف البحر وهو مكان مدينة بابلية ويعتبر مركزا لعبادة الإله البابلي”نبو“ والذي كان يعبده العراقيون القدماء وهو إله الحكمة والمعرفة عندهم. يقول الباحث محمود محمد الجبوري كانت هذه المنطقة مزدهرة في زمن المملكة البابلية السلالة الكلدانية في عهد ” نبو بلا صر“ وابنه ”نبوخذ نصر“ في عام 597 Ù‚.Ù… والكفل مدينة محاطة بسور قديم سمكه تقريبا متر واحد وارتفاعه ثلاثون قدما ومحيطه ”1200“ قدم وكانت  توجد من ضمن السور أبراج للمراقبة والحماية، يحيط السور بمرقد الكفل ومسجد النخيلة والآثار القديمة والخانات الثلاثة ”أي الفنادق“ والتي تم بناؤها قبل 700 سنة، وقال مثقفو المدينة بأن المنطقة تحتضن العديد من التلال الأثرية إضافة إلى الكثير من الآثار التي لم تكتشف وما زالت مطمورة والتي يقول عنها الأهالي بأنهم يسمعون بين الحين والآخر عن سرقتها إذ يقوم البعض من السراق بالحفر هنا أو هناك ليستخرجوا أشياء لا يعرفون قيمتها التاريخية وحتى المادية وتباع ولا تقع بأيدي المختصين فيها أبدا. تحدثنا مع مدير ناحية الكفل المهندس خالد عبيد عن الأهمية التاريخية وما تملكه المدينة من قاعدة مهمة في تفعيل الحركة السياحية المستقبلية حيث أكد على إن المنطقة تحمل على ظاهرها وفي باطنها الكثير من الآثار مثل آثار هشام بن عبد الملك في منطقة الجفيرة والدولة ومئذنة الكفل التي بنيت في زمن البويهيين وسوق دانيال وسوق الكفل القديم وخان سيد نور بالإضافة إلى ”19“ تلا اثريا وأشار إلى إن هذه الآثار تتمتع بحراسة من قبل مجموعة من الحراس بأمرة رائد من الجيش السابق ثم أكد لنا على افتقار المدينة للخدمات السياحية مثل المتنزهات والملاعب وعدم وجود دائرة مختصة بالسياحة والآثار فيها.