الأهوار ... حياة هانئة عبثت بها جريمة التجفيف !!
29/10/2004

العمارة - نزار عبد الواحد -جريدة الصباح الجديد-

الرحلة في عالم الأهوار هذه الامتدادات المترامية للمسطحات المائية التي تمثل صفاء النفس والروح لها سحر ليس مثله سحر فلو تصفحنا كتب التاريخ القديم وطالعنا ملحمة كلكامش لتأكد لنا إنها ملحمة مائية نبعت من الهور للبحث عن سر الخلود في الحياة والذي عنوانه الماء وكذلك نجد القرآن الكريم خير تعبير في قوله تعالى (وجعلنا من الماء كل شيء حي)

في الأهوار تنساب الطيبة والعادات العربية الأصيلة المتجذرة في عمق الحضارة الإنسانية آلاف العوائل قطنتها منذ أقدم الأزمنة فصارت الأهوار تاريخهم ونسبهم فمنها مأكلهم ومشربهم وأمور معيشتهم، وهي طبيعة خلابة للألباب يحن إليها الطير فيؤمها مهاجرا لينعم بدفئها المنعش، إن هذه المنتجعات الطبيعية كانت قبلة للزوار الأجانب من دارسين وسائحين فكتبوا عنها الكثير وألهمت العديد من الشعراء والأدباء فنُضمت أروع القصائد وأحلى الحكايات بين صفوف القصب والبردي في ثنايا الهور الذي أصابه الجفاف الجماعي ذات يوم فهل يخبئ المستقبل لها البشرى أتذكر تلك الأيام بعد العام 1991 وقمع الانتفاضة الاذارية (الشعبانية) المباركة باتت الأهوار تشكل خطرا يهدد أركان النظام المقبور فوضعت الخطط والدراسات لتجفيف الأهوار للعمل على نسف مكامن المعارضة التي تجمعت في هذه المناطق لتوفر عنصر الأمان حيث من الصعب اختراقها أو السيطرة عليها من قبل القوات العسكرية وأجهز النظام القمعية المختلفة فكان الهدف هو بالتالي القضاء على مصدر معيشة سكان الأهوار من صيد السمك والطيور وتربية الحيوانات وصناعات القصب والبردي اليدوية ولم يراع في هذه العمليات الإنسان والحيوان والنبات فالتأثيرات البيئية التي خلفتها أدت إلى القضاء على الطيور التي تهاجر إليها من المناطق الباردة باعتبارها أماكن مهمة لتكاثرها وهذا بدوره ألغى هويتها السياحية وحولها إلى صحراء وخاصة إذا ما علمنا بان مناطق الأهوار من أردأ الترب الزراعية لضعف خصوبتها وارتفاع نسبة الملوحة الناتجة من التجفيف وهكذا أصبح ارتفاع درجات الحرارة غير الطبيعي صفة مميزة في عموم المحافظات الجنوبية فالأهوار كان لها تأثير في تلطيف الجو وانخفاض درجات الحرارة النسبي لعملها على تبريد الأرض التي تحوي ثروات نفطية ومعدنية هائلة غير مستثمرة مما أدى إلى نزوح معاكس من الريف إلى المدينة وخلق الكثير من المشاكل الاجتماعية ففي ناحية السلام احتشدت مئات العوائل على ضفاف النهر تلتحف السماء وتفترش الأرض ولا تدري ماذا حل بممتلكاتها من الحيوانات أو أمتعة دورهم البسيطة بسبب مداهمة القوات الخاصة لمنطقتهم في أماكن الصيكل و الخمس وأم كعيدة والعدل والصحين و بقيت لأشهر عديدة على هذا الحال حتى تفرقت شيئا فشيئا بين المدن والقصبات الحضرية ولعل النتائج الاجتماعية المترتبة عليها اكبر من أن تحصى فطبيعة ابن الهور تختلف عن طبيعة ابن المدينة و الكثير من الأمور المعروفة للجميع ولعل ذريعة التجفيف كانت لاستغلال أراضي الأهوار زراعيا وإقامة مشاريع استصلاح كلفت مليارات الدنانير من أموال الشعب واغلب المعنيين أكدوا لنا إن هذه المناطق غير صالحة زراعيا لحاجتها إلى واسطة الري (النحالات) التي ترفع المياه إلى الأراضي إضافة إلى ضرورة تسوية الأرض وشق القنوات والمبازل.

المساعي الآن جادة في وزارة الموارد المائية Ùˆ افتتحت مركز إنعاش الأهوار Ùˆ ساهمت الكثير من المنظمات الإنسانية في دفع عملية إعادة المياه إلى الأهوار لمواجهة التناقضات التي أفرزتها عملية ما بعد التجفيف فقسم كبير من السكان استوطن الأراضي المستصلحة وزرعها والقسم الآخر استقر وسط المناطق المجففة وصارت ملاذهم وسكنهم وتكيفوا لحياتهم فأين يذهبون بعد أن تغمر قراهم بالماء أما القفزة النوعية الأكبر هي النهضة الشاملة للأهوار من خلال وضع فقرات تعويضات لكل من يشعر انه مظلوم أو متضرر من العملية Ùˆ كذلك توفير مناخات أمنية وجهود تثقيفية لأطراف متعددة لا تقتصر على المؤسسات الحكومية بل تستدعي مساهمة فاعلة من قبل المؤسسات Ùˆ الجمعيات الاجتماعية Ùˆ وضع استراتيجية علمية لإنجاح المبادرة فالأهوار هي ملك السهل Ùˆ الجبل Ùˆ الهضبة والوادي Ùˆ مثلما نفتخر بان الأهوار مهد الحضارة الأول علينا أن نجعل الحضارة تشع منها مرة أخرى Ùˆ ليس ذلك صعب المنال، Ùˆ سيبقى القصب Ùˆ البردي عصيا على الموت لأن جذوره ضاربة بعمق التاريخ Ùˆ عمق الأرض فمتى ما عادت المياه  للأهوار  ستعود إليها أسراب الطيور التي غيرت مشاتيها عنها Ùˆ تعود الأسماك الملونة Ùˆ تعود جولات المشاحيف.